..!! جلست (سيدة) على بنبرها الوهيط في راكوبة الخدمة موزعة انتباهها ما بين صاج العواسة وتقليب كُشنة البصل على نار المنقد قبل أن ترمي عليها قطع اللحم، دخل عليها (محمد) أبن شقيقها الصغير وتموضع على الأرض بالقرب منها وهو يحمل حصاتي (ضراب) كل على يد ويضربهما ببعض مصدرا بهما نغمة (صج صصج)، رفع رأسه فجأة والتفت إلى عمته وسألها: إنتي يا عمتي .. الله قاعد وين؟ لم تنتبه له مع استغراقها فيما تصنع فكرر سؤاله في إلحاح: عمتي.. قلتا ليك الله ساكن وين؟ التفتت إليه في ضيق شديد وانتهرته: يسكك البعاتي .. طير يا ولد من قدامي .. قبال ما السماء دي تقع في راسنا!! كثيرا ما كانت تضيق الأمهات قديما بأسئلة الصغار عن أسرار الحياة وكيفية قدومهم إليها وعن الخلق والوجود ومعنى الربوبية وحتى عن توزيع الأرزاق فقد استوقفني سؤال فذ من أحد أقربائي الصغار لأبيه: إنت يا أبوي .. الله ليه بيخلق لي ناس العمارات .. وناس بيخلق ليهم البيوت الشينه ومكسرة؟ ولكن تغير الحال مع التعليم وارتفاع الوعي التربوي لأمهات اليوم، وتغير المناهج الدراسية التي رغم الشكوى من كثرتها، إلا أنها صارت تحوي شرحا مبسط ووافي لكثير من تساؤلات أبناءنا الصغار عن أسرار الحياة والخلق فكفت الأسر حرج الشرح والتوضيح. كما قد لا نجد في أطفال اليوم من لا يعرف معنى الحمل والإنجاب مثل ما كنا صغارا، فقد سأل أحد رفقائنا في الروضة أمه عن سبب الانتفاخ الكبير في بطنها فأخبرته: اصلي قاعدة اسوي ليكم في بابّو صغيرون جوه بطني !! لم تكن حكاية وجود مصنع للأطفال في بطنها مقنعةً له، فحاول أن يوضح لها رؤيته عن مشكلة انتفاخ بطنها، شرح لها العلة بأنها تأكل كثيرا كل يوم ولا تذهب للحمام لقضاء حاجتها، فقد كانت تهدده عندما يرفض الجلوس على(النونية) في الصباح بأن بطنه سوف تمتلئ بالطعام الذي يأكله حتى تنتفخ وتنفجر إذا لم يقضي حاجته كل يوم، ولذلك فقد اجتهد في أن سبب معاناتها هو نفس ما كانت تهدده به فنصحها قائلا: انتي أمشي أقعدي في الأدب- خانة و(....) كتير لمن تفضي بطنك من الأكل الفيها .. ما تخافي بتبقي كويسة وبطنك بترجع صغيرونة في محلتا!!! لا نجد مثل تلك السذاجة والبراءة في أطفال الفضائيات والكمبيوتر والنت فعندما حاول (سعيد) الأديب والروائي الشاب أن يفلسف الأمور ويمهد لصغيره (وائل) قدوم وافد جديد مع اقتراب زوجته (سلوى) من الولادة، نسج له من الخيال قصة حاول بها أن يُصيغ له الوضع بصورة رومانسية فقال: عارف يا وائل.. الأيام دي في ملاك كريم .. قاعد يطير حوالين بيتنا .. عشان عاوز يرمي في حضن ماما بيبي صغيرون وحلو زيك كده. صمت (وائل) لبعض الوقت متفكرا ثم حذّر والده قائلا: عليك الله يا بابا خليهو يعمل حسابو وما يخلعا .. عشان هي زي ما إنت عارف حامل تقيله وقربت تلدي !!!!! لطائف - صحيفة حكايات [email protected]