* حملت الاخبار أن إدارة مرور ولاية الخرطوم نشرت (الف) فرد من المباحث المرورية بالزي الملكي داخل وسائل المواصلات العامة بولاية الخرطوم على ان يرتفع العدد الى (3 آلاف) خلال ثلاثة الأشهر المقبلة لرصد مخالفات أصحاب المركبات خاصة الحافلات واقتيادهم الى أقسام شرطة المرور لاتخاذ الاجراءات القانونية ضدهم!! * ومع تقديرى لشرطة مرور الخرطوم ونواياها الطيبة لمكافحة المخالفات المرورية التى ارتفعت وتخطت كل الحدود، وقتلت وأصابت الآلاف وخلفت وراءها المآسى والاحزان، إلا أننى أستسمحها فى القول بأن النهج الجديد الذى إنتهجته لضبط المخالفات المرورية مثل السرعة وحزام الأمان.. إلخ، نهج خاطئ، ويدل على فهم خاطئ لمهمة شرطة المباحث أو (البوليس السرى) ولعمل شرطة المرور فى الوقت نفسه، بالاضافة إلى إهدار الجهد والوقت والمال فى غير محلهم!! * مهمة شرطى المباحث هى السعى نحو معلومات لا تتوفر بشكل علنى ولا تتاح معرفتها إلا باللجوء إلى (العمل السرى) واختراق الاوساط التى يحتمل أن تتوفر المعلومات داخلها، وذلك بغرض مكافحة واكتشاف الجرائم وحماية أمن الوطن والمواطنين!! * وإذا نظرنا إلى طبيعة مخالفات المرور وقارناها بمهمة شرطة المباحث، نكتشف من الوهلة الأولى أنه لا توجد علاقة البتة بينهما، فمخالفات المرور تحدث فى العلن ولا يوجد سابق تدبير أو إتخاذ تدابير سرية للقيام بها، وليست ذات طبيعة تآمرية بين عدة أشخاص تتطلب زرع أشخاص بلبس ملكى أو رسمى لاكتشافها، ويمكن لأى شخص صاحب معرفة بسيطة جداً بقواعد المرور أن يتعرف عليها، وبعضها مثل القيادة بسرعة كبيرة، أو ربط حزام الأمان لا تحتاج حتى لهذه المعرفة البسيطة للتعرف عليها ويمكن لأى شخص أن يراها.. إلخ، أما طبيعة عمل شرطى المباحث فتختلف تمام الاختلاف عن طبيعة المخالفات المرورية، ولا أظننى بحاجة لتفاصيل أكثر من التى أوردتها أعلاه لشرح وجهة نظرى حول هذا الموضوع!! * أما مهمة شرطى المرور فهى مكافحة المخالفات المرورية ومنع وقوع الحوادث فى المقام الاول، ويمكنه أن يفعل ذلك بإحكام مراقبة الشارع بدون الحاجة الى التخفى فى أى نوع من الازياء، بل ان وجوده بالزى الرسمى فى الشارع هو أكثر نفعاً فى مكافحة المخالفات من تخفيه فى زى آخر. * فى الكثير من مدن العالم، والمثال الأبرز مدينة لندن، توجد كاميرات فى الشوارع فى أماكن بارزة، وتوجد لافتات بارزة وضعت قبل عشرات الامتار من الاماكن التى وضعت فيها الكاميرات، لتنبيه سائقى السيارات لوجود تلك الكاميرات حتى يخفض الذين يقودون بسرعة عالية من سرعتهم ويحموا أنفسهم من تسجيل المخالفة بواسطة الكاميرا، لأن الهدف من زرع الكاميرات ليس ضبط المخالفات، وإنما منع وقوع المخالفات فى المقام الأول وهو ما تهدف إليه أى شرطة مرور فى العالم وليس العكس!! * حتى لو افترضنا أن الهدف من تصريحات شرطة مرور الخرطوم بنشر شرطة مباحث مرور هو تخويف السائقين من إرتكاب مخالفات، ولن يكون هنالك بالفعل نشر لمباحث مرور لتسجيل المخالفات، فإنه ربما يحقق نجاحاً وقتياً سرعان ما يزول عندما يكتشف هواة إرتكاب المخالفات عدم وجود مثل هذه الشرطة المرورية السرية، ويبقى الاسلوب الانجع لمكافحة المخالفات هو إحكام الرقابة على الشوارع وسن عقوبات رادعة على كل أنواع المخالفات المرورية، وليس فقط الرخصة والترخيص، والوصل الذى يسمح للمخالف بارتكاب المخالفة طول اليوم لدرجة أن أصحاب الحافلات والمركبات الأخرى غير المرخصة أو الذين لا يحملون رخص قيادة يذهبون بأنفسهم صباح كل يوم الى الشرطة ويدفعون مبلغ الغرامة ويأخذون الوصل الذى يسمح لهم بالسير بحرية طول اليوم!! مناظير [email protected] جريدة السودانى، 10 أغسطس ، 2009