مالك يا الحنينة ما بتزوري الضرايح - 2 تعلق قلب أبي بمحبة أولياء الله الصالحين، جعله في حالة شوق دائم لتتبع مزاراتهم والتبرك بزيارتها، لذلك لا أعتقد بأن هناك قبر أو مزار ل ولي صالح في نطاق العاصمة المثلثة ومدينة ود مدني لم نقم بزيارته في طفولتنا وشبابنا البكر .. الشيخ الفقير (بُر أبو البتول) و(الكبّاشي) و(أب فركة) و(الشيخ الطيب) والكثيرين غيرهم .. لم تكن زيارة الشيخ (حمد النيل) بمتعة غيرها، فرغم استمتاعنا بمتابعة النوبة والذكر وحركات الدراويش ولبسهم الغريب، إلا أن الازدحام و(المعافصة) وكتم الأنفاس الذي نتعرض له كان يتكفل ب (خرب المزاج)، خاصة إذا ما صاحب الزيارة - وغالبا ما يصاحبها - شمطة ودروس في الوعظ، كان يوجهها (أبي) لبعض الشباب الذين يستقلون الفرصة للمعاكسة ومشاغلة البنات الحلوات، ثم ينهرنا أمامه ويعود بنا للبيت خوفا علينا من سقوط كلمات الغزل على اذاننا، بل ويزجرنا وكأننا نحن المذنبات، كما أن حركات النساوين داخل المقام كانت كافية لاخراج العابد الزاهد عن طوره .. ورجقة وكواريك وندايه وشرك بيّن ما داير ليهو ضوء .. أذكر أن أمي أخبرتنا عن ما تناقلته أمهاتها عن بركات الشيخ (حمد النيل) وأولها سرعة تسخين سوق الفتوات وتزويج البايرات .. أها قومن أجرن عليهو !! فقد حكت لنا أمي أن ابنة لمعارفها زمااان كانت تخاف أن يفوتها القطار لبلوغها سن كم وعشرين دون زواج ! فأخذتها أمها للقبة لتزور وتتبرك، ولكن الشابة الممكونة ما أن دخلت للمقام حتى تمسّكت بأستاره وندهت: ندرا علي .. إن عرسوني أجي وأقيف في نص القبة وأزغرد ! وشاء الله أن يكون من بين الطائفين حول المقام شاب أعزب يمتلك من الحس الفكاهي ما جعله يخرج وراء تلك الشابة ويتبعها حتى دارها، ثم يعود في اليوم التالي لخطبتها، ولم تدر أنه كان (داري بالعليها) إلا عندما أخذها بعد خروجهم من حبسة العسل - طبعا زمان ما كان في سفر لشهر العسل .. في حبسة (لكن ده ما موضوعنا)، فقد ذهب معها لزيارة القبة وهناك أمسك بيدها وأوقفها في منتصف المكان، ثم طلب منها أن توفي بنزرها وتملأ المكان زغاريدا .. ذهبنا - مرة واحدة و(تبنا) - لزيارة قبة شهيرة في ضواحي بحري، اشتهر صاحبها في غابر الزمان بالتقى والصلاح والكثير من قصص الكرامات والبركات التي تناقلها الناس عنه .. وصلنا للمكان بعربة أبي البوكس وفي معيّتنا بعض الخلّان والجيران ومن ضمنهم جارتنا المصرية الحبيبة، ولكن ما أن هلّ البوكس في أول الطريق الترابي الضيّق المؤدي للقبة حتى بدأ ناس المنطقة - شيب وشباب ونسوان وشفع - في مطاردة العربة على طريقة قولة عادل امام: النسوان تزغرد والرجالة الله أكبر .. أما العيال فقد تعنكشوا جميعا في جنبات البوكس المتحرك، وهم يتصايحون ويداعبون بعضهم البعض ب (كرباج ورا) و(يا عم بي وراك) كما لو كانوا يتعنكشون في مؤخرة كارو !! وما أن نزلنا من على ظهر البوكس حتى هجمت علينا مجموعة من النسوة - هجمة رجل واحد - كل واحدة تدعونا لندع الباقيات وننوّلها شرف ادخالنا للضريح والتبرك به، حتى كدنا أن نهلك بين ايديهن عفصا ومدافرة، أما العيال فتكّفلوا ب جرجرة الهدوم بأيدي ممدودة طلبا ل (كرم الزوارة) .. وبينما نحن في خضم المعمعة صاحت امرأة تنادي أختي بأسمها وتخبرها بأن شيخ (....) صاحب البنيّة يطلب مقابلتها بصورة شخصية .. !! طبعا (صبت فينا مطرة) ف دي كانت جديدة لنج، شخصيا، ركبت حصان خيالي الجامح وأنا أتخيل المرحوم وهو جالس متلفلفا بأكفانه في منتصف القبّة ويأمر سكرتيرته بأحضار فلانة شخصيا لمقابلته .. غايتو ما فضل لينا غير نفك البيرق !! ظللنا بعد نهاية الزيارة الكارثية حينا من الدهر، في حيرة من أمر تلك المرأة، وكيف عرفت اسم شقيقتي، إلى أن تذكرنا أننا من شدة الخلعة كنا نتماسك وننادي على بعضنا البعض ولعل تلك المرأة قد قامت بألتقاط الاسم من أفواهنا لتمثل علينا ذاك الفيلم الهندي المحيّر .. كما ظلت جارتنا المصرية في حالة خلعة دائمة من هول ما رأت وتابت توبة نصوحة من مباراتنا، وكلما ذكّرناها بالقصة نفضت يدها وقالت: (أطيعة .. جاتهم نية، تاني مش حا أروح معاكم للجماعة البيهلّبوا دولت) !! طبعا التهليب هو النشل، فقد قامت النساوين - الله يجازيهن - بسرقة محفظتها في وسط الزحام !! يا ربي نواصل وللا نقيف ؟ لطائف - صحيفة حكايات [email protected]