تخيل نفسك شخصاً لا تعرف القراءة والكتابة ولم تر قلماً أو ورقة فى حياتك، أو شخصا مسناً يتوكأ على عصاة أو بالكاد يرى أمامه، أو حتى شخصاً فى كامل قواه البدنية والذهنية، ودخلت إلى مركز الانتخابات بعد انتظار طويل وعناء فأعطاك ضابط المركز ثماني بطاقات إقتراع لتملأها ثم تضع إثنتين فى صندوق وثلاثة فى صندوق وثلاثة فى صندوق ثالث، (وفي الجنوب يبلغ عدد البطاقات المطلوب التصويت عليها إثنتى عشرة بطاقة.. أنعم وأكرم)، فماذا تفعل؟! * أيسر وأسهل شيء تفعله أن تتخلص من هذا العبأ الثقيل كيفما يكون، أو ترتكب الكثير من الأخطاء مثل التصويت على ورقة مرتين أو رمي بطاقة فى غير الصندوق المخصص لها أو ترك بطاقات فارغة سهوا.. إلخ!! * الانتخابات التي ستجرى فى السودان هى الأكثر تعقيداً فى تاريخ البشرية فلم يحدث أن صوّت الناس على ثمانية بطاقات (أو إثنتى عشرة بطاقة) من قبل، وفي دولة متحضرة مثل اسكتلندا لم تنقطع الانتخابات فيها منذ مائة عام ولا يوجد فيها إلا القليل من الأميين، بلغ عدد البطاقات التالفة فى انتخابات 2007 التى صوت فيها الناخبون على بطاقتين فقط (142 ألف) بنسبة (7%) من عدد الذين صوتوا، وعزا الخبراء هذا الرقم الكبير إلى تعقيد عملية الاقتراع التى تضمنت ملء بطاقتين فقط!! * حدث هذا برغم الحملات الإرشادية الكبيرة التى سبقت الانتخابات وشارك فيها الجميع. * قلت ذلك من قبل عدة مرات وكانت الأولى قبل ثلاثة أعوام عندما قمت بتغطية الانتخابات الاسكتلندية، وطالبت فى عدة مقالات كتبتها بالاستفادة من التجربة الاسكتلندية، خاصة وأن الفرصة قد أتيحت لعدد من أعضاء الأحزاب والرسميين لمتابعتها عن كثب، ولكن ذهب كل ذلك أدراج الاستخفاف والاستهتار اللذين نتميز بهما، ولم نفعل شيئاً سوى وضع بعض الملصقات وإذاعة إسكتشات وإعلانات تلفزيونية وإذاعية لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يفهمها إلا من كانت لديه فكرة جيدة عن الانتخابات أو خبرة كافية وهو ما يفتقد إليه معظم الناخبين فى سودان اليوم الذى غابت عنه الانتخابات منذ ربع قرن ولم تكن بهذا التعقيد!! * نحن الآن على أبواب الانتخابات وما تبقى من زمن لا يكفي لفعل شئ، خاصة بعد تقليص عدد المراكز الى النصف (فصارت عشرة آلاف بدلاً عن عشرين ألف)، وسقوط آلاف الأسماء من سجل الناخبين!! * فى نهاية اسكتشاته الكوميدية القصيرة عن الانتخابات يصرخ الممثل (جمال حسن سعيد) عندما ييأس من فهم أحد الأشخاص للإرشادات التي يقدمها له عن الانتخابات ويدعى خلف الله.. (يا خلف الله عذبتنا)، وكأنه يعلم سلفاً الأزمة الكبيرة التي سيواجهها الناخب السوداني للإدلاء بصوته فى الانتخابات القادمة !! مناظير - صحيفة السوداني [email protected] 1 أبريل 2010