لو خيروني بين الطعام والنوم لاخترت النوم، وأعرف جيدا ان الفطور هو أهم وجبة في اليوم ولكن لا أظن انني أفطرت اكثر من عشرين مرة خلال العشرين سنة الماضية، والسبب؟ النوم!! ففي عام 1988 أجريت عمليات حسابية (بمعاونة صديق) واكتشفت أن لدي متأخرات نوم تزيد على عشرة آلاف ساعة، ترتبت عن العمل في الصحافة المطبوعة والسهر في مبنى الجريدة حتى الفجر، وكان ذلك بداية الخلل العقلي الذي قد يلمسه القارئ في مقالاتي، فهجرت الصحافة المطبوعة هجرا بائنا بينونة كبرى، وعندما حاول القائمون على امر قناة الجزيرة استدراجي للعمل لديهم اشترطت أمرين: ان أحمل لقب \"خبير أجنبي\" وأن لا أعمل بنظام الورديات/ المناوبات، بحيث لا يتم استدعائي للعمل بعد العاشرة مساء (ألت وأعجن مرارا في حكاية انني نوبي أفريقي، لأن إعلان انتمائي للعرب سيحرمني من مسمى \"خبير أجنبي\"، لأن العربي لا يصلح ولا يصبح خبيرا بين قومه) ولاسترداد متأخرات النوم واستعادة مستحقاتي من ساعات النوم فإنني لا أغادر البيت قبل الثامنة والنصف صباحا.. أجمل نومة هي تلك التي تكون بعد الرابعة فجرا.. ولو شبعت من النوم فإنني أكون مسدود النفس من ناحية الطعام، فكوب شاي مع شريحة من الخبز او البسكويت تكفي،.. وفي وجبة الغداء أتناول كل ما يوضع أمامي من طعام واشبع تماما.. فالغداء هو وجبتي الأساسية وهو أيضا الوجبة العائلية الوحيدة، لأن كل او معظم افراد العائلة يتناولونها معا، ومن ميزات الشبع عند الغداء هو أنه يحرمك من نومة القيلولة أو \"العصرية\".. ومن ميزات الحرمان من نوم القيلولة أنك تجد الوقت لممارسة أشياء تحبها مثل القراءة.. وزبدة الكلام أعلاه هو أنني احب الاستيقاظ متأخرا عند الصباح ليس لأنني سوداني وبالتالي كسول كما يفتري القوم الذين سجلوا براءة اختراع الكسل باسمهم قبل الف سنة ولكن لأنني لا أحب النوم أثناء النهار، بل لأنني أعتقد ان النوم متعة ومكافأة مستحقة عن يوم عمل مجهد واعتقد ان أكثر ما يميز العاملين في مجال الصحافة والإعلام هو أن ظروفهم تجبرهم على حسن \"إدارة الوقت\"، فهو مجال لا يمكن التكهن بمجريات الأمور فيه ولو لنصف يوم، لأنه لا يخضع للروتين إلا في الجوانب الفنية البحتة، ومعظم الصحفيين يضعون كل يوم خطة \"أ\" لأداء المهام اليومية الرسمية ثم المهام الاجتماعية او الترويحية إلخ، ولكن التجربة علمتهم أن يضعوا أيضا الخطة \"ب\" كبديل للخطة الأصلية التي لا تسير كما يشتهون في غالب الأحوال: بعد انتهاء العمل سأذهب الى العيادة لفحص الدم ثم أذهب لتقديم العزاء لصاحبي فلان وبعدها سأخرج بالعيال في جولة كما وعدتهم.. وينتهي العمل بتأخير ساعتين ولا مناص من إلغاء فحص الدم ولا سبيل لتأخير العزاء.. والعيال سيكونون على وشك النوم بعد وصولي من بيت العزاء!! ما الحل؟ اشتري لهم جردل آيسكريم وقرصين للألعاب الالكترونية.. رشوة لا بأس بها. آفة العرب هي عدم معرفة قيمة الوقت، وآفتهم الأخرى هي النوم.. نوم بعد الظهيرة ونوم في الليل ونوم في مكان العمل والنوم من الفئة الأخيرة يحدث بعيون مفتوحة لأن الذي ينوم هو العمل نفسه بينما المكلف بالعمل مستيقظ ولكنه يجتهد يوميا ل \"تكسير الدقائق\". أخبار الخليج - زاوية غائمة [email protected]