قلنا إن مصر والسودان في هذه المرحلة يركبان في سرج واحد؛ فالتهديد بإعادة النظر في الاتفاقيات السابقة لمياه النيل يشملهما، كما أن الدولتين تعتبران من دول المصب. ولكن في الحتة دي لابدّ من وقفة وهي أن السودان تجتمع فيه ثلاث صفات، فهو دولة منبع ودولة ممرّ ودولة مصب. ففي مواسم الخريف الجيّدة يرفد السودان مجرى النهر بحوالي أربعمائة مليار مترمكعب من المياه، أي مايعادل كل إيرادات النيل الأزرق، ولكن إذا انفصل الجنوب –لاسمح الله – فإنّ السودان سوف يصبح أقرب لمصر من دول المنبع. وبمناسبة الجنوب فإنّ انفصاله سوف يخلق تعقيدات كبيرة فيما يختص بمياه النيل، فالحركة الشعبية ساكتة الآن على هذا الموضوع لكن (فوق راي). وفي كل الأحوال الجنوب ليس متضرّراً، فالمياه النازلة فيه (مكفِّياهُ وزيادة) ولكن إذا الشغلانة جابت ليها بيع فمن المؤكد أن الجنوب سوف يبيع وب(الجردل) كمان. المطلوب الآن أن يتم تنسيق حقيقي بين مصر والسودان للمرحلة القادمة والمرحلة التي تليها، وعندما نقول تنسيق نقصد أن يكون التعاون بينهما تعاوناً استراتيجياً وليس تكتيكياً ثم يدخلان في تفاوض خلاّق مع بقية دول حوض النيل. وهنا نستعير ماقاله الأستاذ فهمي هويدي من أن الشغلانة يجب أن تخرج من إطار الفهلوة إلى العمل الجاد؛ فمصر والسودان ليسا في حاجة للمواجهة مع دول المنبع، وليسا في حاجة لإبراز( العين الحمراء) لها، بل لابدّ من الاستماع إليها وتقدير وجهات نظرها ،ومن ثم، الاتفاق معها على ما يحفظ لها حقوقها. إن إسرائيل لوّحت لهذه الدول بالمصلحة فبالتالي لابدّ لمصر والسودان أن يسيرا في ذات الطريق، فمن غير المعقول أن تعاني دول المنبع من المجاعة بسبب الجفاف بينما لا تعاني دول المصب لأن لديها القدرة على التخزين. أنّ مصر بما لديها من علاقات وقدرات بشرية يمكن أن تُوظّف هذه الأشياء لمصلحة دول الحوض مجتمعة بما فيها السودان. مصر والسودان تحتاجان لتنقية العلاقة بينهما وإخراجها من الإطار الأمني القابعة فيه الآن. منذ سنوات ونحن لا نشاهد إلاّ زيارة البشير لمصر ويأتي أبو الغيط وعمر سليمان لرد الزيارة فأين وزير الزراعة؟ أين وزير الري؟ أين اتفاقية الحريات الأربع؟ أين المشاريع الاستراتيجية بين البلدين؟ إذا لم تقدّم مصر والسودان نموذجاً للعمل المشترك بينهما فلن تلتفت إليهما دول المنبع، فتعاون دول حوض النيل لزيادة الموارد المائية وترشيد الاستهلاك لابدّ من أن يبدأ بتعاون مصر والسودان ثم ينداح هذا التعاون إلى بقية الدول. إن العلاقات السودانية المصرية علاقات وجود وليست علاقات حدود لتغرق في شبر مثلث حلايب وغيرها. كثيراً ما طالب الناس بإخراج العلاقة بين مصر والسودان من الأكلشيهات العاطفية إلى لغة المصالح المباشرة، وفي تقديري أنه قد جاءت الفرصة الآن للخروج من اللغة العاطفية إلى لغة المصالح، ومن علاقات الأنظمة إلى علاقات الشعوب. وهنا لابدّ من الوضوح ومصارحة الشعوب بكل مايجري، فمثلاً مصر كان لديها موقف قوي وثابت من السدود في شمال السودان، مصر كانت رافضة لإقامة أيِّ سد على نهر النيل ولكن الملاحظ أن مصر كانت مؤيدة لقيام سد مروي والسدود المقترحة الأخرى. فالسؤال هو: ما الذي تغيَّر وجعل مصر تُغيِّر موقفها من هذه السدود؟ أكيد إن في الأمر مصلحة لمصر، وليس بالضرورة أن تكون هذه المصلحة متعارضة مع مصلحة السودان، فإقامة السدود يمكن أن تكون في مصلحة البلدين وبالتالي يجب أن يكون هذا الأمر واضحاً للشعبين بدلاً من سياسة (اللف والدوران) المتبعة الآن لأن مثل هذه السياسة تفتح الباب للتأويلات والتفسيرات الخاطئة والشائعات المُغرضة. موقف مصر من مفاوضات الدوحة بشأن دارفور محتاج لاستجلاء. الشغلانة أيها الناس محتاجة لوضوح وإشراك الشعوب لتكون العلاقات شعبية أزلية. صحيفة التيار - حاطب ليل -12/5/2010 [email protected]