كان الوقت من العام في ذلك الزمان صيفاً حيث تتجمع كل القبائل في معسكرات ومصايف تعرف ب(بُر) ، والغرض من بر هو رعاية الأبقار بالبحث لها عن العلف الجيد إذ يقل الكلأ في ذلك الوقت.وهناك عدد من الأفراد مهمتهم استكشاف المراعي الجيدة ذات الكثافة النباتية العالية القريبة من مصادر المياه ومعرفة مصادر الخطر مثل أماكن تواجد الحيوانات المتوحشة ، وهؤلاء أيضاً مسؤولون من تحديد وقت الرحيل من المكان إلى مكان آخر بطريقة غير مباشرة لأن معلوماتهم التي يأتون بها إلى مدير المعسكر(مجوك داوود) فهو الذي يقرر ماذا يجب فعله وما لا يجب. * إذا كانت للدينكا مدونات مكتوبة أو مسجلة على الورق لكانت شخصية (مجوك داوود) تستحق أن تدرس في مناهج الإدارة والقيادة ، فهو يتم اختياره لما يتميز به من الحكمة وقوة الشخصية والكرم والمال والشجاعة. هو المسؤول الأول عن بنات المعسكر حتى لو أشقاءهن موجودون ، وهو المسؤول الأول كذلك عن الفصل في المنازعات ، وله الكلمة العليا في تحديد كيفية ومتى الرحيل ومهاجمة وصد العدو ، وتقسيم الطعام، والذي يخالف رأي (مجوك داوود) يعزل من الجماعة. * في ذلك الوقت من العام أصيب (شان) بمرض الجدري ، وكان في ذلك العصر من الأوبئة الفتاكة ، وهؤلاء القوم لم يكن لهم علاج منه سوى مغادرة المكان الذي ظهر فيه بل هجر المصاب. كان قرار مجوك داوود هو مغادرة المكان حتى لا يصيب الوباء آخرين ، وعليه فإن بعض القريبين من الشاب شان آثروا مبدأ السلامة فغادروا مع الجماعة ،إلاّ أن شقيق شان الأكبراسمه (اضار) قرر مخالفة الجماعة قائلاً لهم إذا كان الوباء فتاكاً فعليه أن يحضر ليعرف كيف مات شقيقه وإلا فالأفضل له البقاء معه ، وما قاله اضار سارت عليه شقيقته الصغرى (كاوا). * حاول القوم إثناء كل من اضار وشقيقته كاوا ، وحتى اضار نفسه حاول إرغام شقيقته على المغادرة مع البقية ، لكن المحاولات انتهت بالفشل فقد أصرت الفتاة على القيام بخدمة شقيقها فالطعام والشراب يحتاجان من يعدهما بالإضافة إلى بقية الأشياء التي يعتبرها الدينكا محرم على رجال لهم أخوات أو بنات أو نساء. وما طلبه اضار من قومه هو بقاؤه مع قطيع أبقاره حتى لا يهلك من الجوع. * نجح اضار وكاوا في ممارضة شقيقهما شان وتماثل للشفاء وصار قادراً على الحركة والمشي ، وعلى النقيض تماماً فقد انتقل المرض إلى اضار.وسقط اضار وكأنه كان ينتظر دوره في البقاء على الفراش مثل ما حدث لشقيقه. * عندما أحس شان بانه شفي تماماً ، لم ينتظر أو يحاول البقاء مع شقيقه ، لكنه قام بجمع الموجود من البقر وغادر طالباً من شقيقته الذهاب معه قائلاً بأن حالة شقيقهما اضار ميؤوس منها وليس هناك داعي لتضييع الزمن في شخص قد يموت في أي لحظة، لكن كاوا رفضت فكرة المغادرة وتركت أمر الذهاب لشان وحده ، وبقيت مع شقيقها الأكبر. * في أحد الايام تفاجأ القوم بقدوم اضار إليهم وهو برفقة كاوا ، وكانوا مندهشين بسبب أن شان عندما حضر إليهم أخبرهم بوفاته مع شقيقته وكان دليله الأبقار التي اصطحبها معه.وما وضح لاحقاً هو أن عدم مقدرة اضار على النقاش وقت المرض حال دون منعه شقيقه من أخذ أبقاره.إلا أن اضار عندما حضر جمع البقر وقال لقومه..\"إن الإحسان للبقر أفضل من الإحسان للإنسان في بعض الأحيان .إن كان شقيقي شان هو الذي خان ما بيننا من حب ومودة فالأفضل للإنسان الإحسان للبقر الذي لا يخونه\". لويل كودو - السوداني 5 يوليو 2010م [email protected]