ما أن تجلس في مجلس من مجالس الجزيرة هذه الأيام إلاّ وتجد الناس يتحدثون بمرارة وأسى شديدين عن العطش، فسريان الماء في القنوات قد تأخر أكثر من اللازم. في مثل هذه الأيام كانت القنوات تحمل مياه الموسم الجديد، ويكون قد تم تأسيس معظم محصولات العروة الصيفية خاصة الذرة، والفول السوداني، و(الجنائن).. وهذه الأخيرة تشير للخضروات من طماطم، وبصل، وعجور، وما شاكلها. نعم، حال المشروع في السنوات الأخيرة لا تسر أحداً، وكل شيء فيه يبعث على الأسى والألم. ولكن، لم يسبق أن تأخر وصول المياه إلى القنوات كما حدث هذا العام علماً بأنّ بعض المزراعين رموا التقاوي على الأرض، وهذا يعني أنه لو هطلت أقلّ أمطار سوف تنتهي من هذه التقاوي ويعض المزارع المسكين بنان الندم، وقديماً كان المزارعون يشكون للمفتشين ولكن الآن لايعرفون من يشكون إليه إلاّ الله. الغريب في الأمر أنني قد سمعت قبل عدة أيام أحد النافذين في مشروع الجزيرة يقول إنّ المياه قد انسابت، وإنه قد تم تأسيس تسعين بالمائة من العروة الصيفية، فقلت الحمد لله ولتكن العشرة في المائة هي مكتبنا. ولكنني وبعد اتصالات تأكد لي أنّ معظم أقسام الجزيرة لم يصلها الماء بعد، ويبدو أنّ ذلك المسؤول النافذ قد عكس النسبة؛ هذا إذا أحسنّا الظن. لقد قرأت مقالاً للأستاذ اسحاق أحمد فضل الله قال فيه إنّ اجتماعاً هاماً وعلى مستوى عالٍ انعقد في ولاية الجزيرة، وإنّ ذات الرجل قال الكلام الذي صرّح به لأجهزة الإعلام، فانبرى له آخر ووصفه بالكذب. ومن الذي فهمته أنّ والي الجزيرة البروف الزبير بشير أمّن على كلام الرجل المنبري، و(تيِّب!!). تقول شمارات الجزيرة إنّ سبب تأخر المياه يرجع للصراع بين مهندسي وزارة الري وإدارة مشروع الجزيرة؛ فالمعلوم أنه قد صدر قرار بضم إدارة الري إلى إدارة مشروع الجزيرة بعد أن كان الري تابعاً لوزارة الري، وصدر هذا القرار مع بداية الموسم فتأخرت عملية التسليم والتسلم؛ لابل هناك تلكؤ مقصود، فإن كان ذلك كذلك يكون هذا صراع مهني (قبيح) سوف يتضرر منه المزارع ويتضرر منه الوطن. وليتهم تصارعوا صراعاً مباشراً (ضرب وشلاليت أو حتى عكاكيز) وتركوا التلاعب بهذه الأمور الحيوية، (ملعون أبو المهنية والعصبية المهنية) عندما تتسبب في الهلاك. أخشى ما أخشاه أن يكون المسؤولون في العاصمة مُصدِّقين للتقارير التي تصلهم بأنّ العمل في الموسم الجديد يجري على قدم وساق، وأنّ القنوات قد غمرتها المياه، وأنّ البذور قد نبتت، وأنّ المزارعين مبسوطون ومرتاحون لبداية الموسم الممتازة. على هؤلاء المسؤولين أن يخرجوا من العاصمة، أو (يتاقوا) على أقرب منطقة في الجزيرة للخرطوم ليروا الأرض البورالمحروثة، والقنوات التي تمشي فيها المعيز، ويسمعوا أنّات المزارعين وغضبهم، وما خُفي أعظم. صحيفة التيار - حاطب ليل- 11/7/2010 [email protected]