رغم أنني أكتب بانتظام في العديد من الصحف والمجلات، فإنني أصاب بالإحباط عند نهاية كل عام، لأنها تصدر أعدادا خاصة في نهاية ديسمبر تعرض فيها أسماء من حققوا إنجازات، مع تجاهل تام لشخصي، الى الدرجة التي فكرت فيها في التوقف عن الكتابة فيها.. ولا اعتراض عندي على اختيار فلان أو علان الأكثر تميزاً في هذا المضمار أو ذلك، ولكن ألم يكن ممكناً كتابة - ولو سطرين - عني؟.. في كل أسبوع أخرج على القراء بنظرية جديدة وفكرة عبقرية، ولكن لا «حياء» لمن تنادي: قبل سنوات، اختاروا شخصاً اسمه أحمد زويل شخصية علمية للعام، لأنه اكتشف شيئاً اسمه الفيمتو ثانية، طيب لماذا لم يقع اختياركم على من اكتشف الفيمتو (المشروب) نفسه؟ ثم ما قيمة هذا الفيمتو ثانية الذي هو واحد على المليون من البليون من الثانية،... يا سيدي: ماذا فعلنا بالدقيقة بل باليوم بل العمر بأكمله حتى يحسب لنا هذا الزول الصغير (زويل) كسور الثواني؟ والله فضحتنا يا أستاذ فقد بعثنا بك إلى الغرب لتنهل من العلم النافع فإذا بك تنصرف إلى قضايا هامشية.. «قال فيمتو ثانية قال». وقد سبق لي أن طلبت ترشيحي ضمن شخصيات عام 2000 من منطلق أن بقائي حيّا حتى دخول الألفية الثالثة يعد إنجازاً في حد ذاته، نعم هو هبة من الله ولكن ألا ينسب كل الناس فضل الله عليهم إلى أنفسهم وينالون الجوائز؟ ولو تسنى لي كتابة سيرتي الذاتية لمنحتموني «جائزة نوبل للبقاء»، ولرفضتها لأن السودانيين كانوا سيتباهون بأن جعفر نال «جائزة نوبل للغباء».. اسهاماتي في مجال النظريات بلا حصر، فعلى مستوى الفكر السياسي حصلت على دليل تاريخي قاطع بأن العرب عندما دخلوا منطقة البلقان، قبل بضعة قرون، استخدموا «سلاح البوس» فكان أن ولدت دولة «البوسنة»، ودليل عروبتها أنها ظلت تعبانة طوال أكثر من ستين سنة إلى أن هب الخواجات لنجدتها... وأتحدى جميع صحفيي العالم أن يأتوا بمثلي: نوبي عندما ختنوه وضعوا على الجرح روث البقر بعد حرقه لمنع تلوثه (لا تتهكم عليّ فالمضادات الحيوية مصدرها العفن).. وكان صبياً عندما رأى طائرة هليوكوبتر لأول مرة فأصيب بلوثة عقلية فذهب به أهله إلى دجال أشبعه بصقاً وصفعاً لتطفيش الجني الذي ركبه، فبقي الجني وخرج ما تبقى من عقله ولم يعد حتى الآن... طيب هذا الشخص تسنى له لاحقاً أن يركب الأسانسير وهو دون العشرين بقليل، وركب الطائرة قبل أن يبلغ الخامسة والعشرين، وتوالت الإنجازات إلى أن أكل البيتزا وآيسكريم باسكن روبنز، وجلس أمام الكومبيوتر يكتب هذه الكلمات... بالله عليكم هل هناك من يستحق التكريم والإشادة أكثر مني؟ رعيت الغنم في صباي وعضّتني ناقة في كتفي، بعد أن طاردتني فلجأت إلى شجرة فمدت عنقها وخمشتني حتى سقطت أرضاً، ولولا أنني سقطت في دغل تعذر عليها دخوله لبركت علي لتهرسني، ومنذ يومها وأنا أكره الجمال والنوق والأباعر والهجن، ويخيل إليّ أن الدول الخليجية تنظم سباقات الإبل نكاية بي أو ل«تطفيشي» من ربوعها، ولكن هيهات، ثم أصبحت أقود سيارة، وعلمت أمي استخدام التليفون قبل أن تتعلم استخدام الساعة، واشتريت لعيالي «بلاي ستيشن تو، ثم ثِري»، ولولا أنني أخشى أن يستغل أنصار نظرية داروين سيرتي الذاتية، لنشرتها في تسعة مجلدات تخلد ذكري قرونا.. ومردّ خشيتي تلك إلى أنني عندما أصدرت كتابي «زوايا منفرجة» عام 1994، قدمت له بكلمة بعنوان «المؤخرة» لأن آخر شيء يُكتب في كتاب لابد أن يكون مؤخرة وليس مقدمة، وشاء حظي العاثر أن يعجب المخرج التلفزيوني والزجال المصري إمام مصطفى بالكتاب، فكتب مشيداً به، وقال في ما قال: «إن مؤخرته الرائعة تلخص فلسفته في الكتابة»، وإلى يومنا هذا لا أعرف هل كان يمدحني أم يذمّني. [email protected]