** سالم أحمد حمدان، مواطن يمني ظل يعمل سائقاً لابن لادن إلى أن ألقت القوات الأمريكية القبض عليه ثم قدمته وزارة الدفاع الأمريكية إلى محكمة عسكرية ك(مجرم حرب)، وهي تهمة عقوبتها تؤدي إلى الإعدام .. ولكن حمدان لم يستسلم للمحكمة العسكرية، بل وكل محامياً يدعى نيل كاتيل ليرفع دعوى قضائية ضد وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد، باعتبار أنه يجب ألا يصنف كمجرم حرب ويجب ألا يحاكم في محكمة عسكرية.. الصحافة الأمريكية تابعت القضية بكل حواسها، وأسمتها (حمدان ضد رامسفيلد)، وكانت هناك أقلام تتهكم وتسخر من حمدان، إذ كيف يكسب مواطن من العالم الثالث خصماً في قامة وزير دفاع دولة عظمى..وبعد خمسة أشهر فقط لاغير من الجلسات و المرافعات بين حمدان ووزارة الدفاع الأمريكي،حكمت المحكمة لصالح حمدان بحكم وصفته الصحف بأنه أهم حكم ضد سلطة تنفيذية في العقود الأخيرة..حمدان وكاتيل لم يغترا بالكسب، بل قالا نصاً (في بلد آخر ربما كانوا قتلونا بالرصاص)، أي فرحا بالمناخ الذي وفرته الإدارة الأمريكية للقضية، ولو لم يكن مناخاً نقياً لما كسب حمدان قضيته ضد رامسفيلد..!! ** نعم المناخ كان نقياً.. ولو لم يكن كذلك، لقذفت النيابة والمحكمة أوراق الشكوى في وجه حمدان مع تبرير فطير من شاكلة (وزير دفاعنا عندو حصانة)، ثم لأمرت برمي حمدان وراء الشمس ..هناك - ليس في أمريكا فقط، بل في كل الدول التي أنظمتها تقدس العدالة - الناس سواسية أمام القانون، أي ليس هناك نهج (إذا أخطأ المواطن حاكموه، وإذا أخطأ الوزير حصنوه)..ولكن هنا، في دولة الشريعة، تابع ما يلي.. مسؤول دستوري - يستحي البرلمان عن ذكر اسمه أو يخاف - يستأجر عربة من إحدى شركات الليموزين لمدة نصف عام، بحيث يصل استحقاق تلك الشركة بطرف المسؤول الدستوري مبلغا قدره (170 مليون جنيه).. وتطالب الشركة المسؤول بذاك الاستحقاق، فيتلكأ في الدفع ثم يرفض رفضاً قاطعاً بتبرير نصه (أنا دستوري وما بدفع ليك).. ويذهب المواطن - صاحب الشركة- بقضيته إلى البرلمان، وتدرس لجنة العمل والإدارة والمظالم أوراق القضية، ثم توجه المسؤول الدستوري - عبر الصحف - بدفع حقوق هذا المواطن، بل وتهدده على لسان رئيسها عبد الله جماع بالنص القائل (هذا أمر غير مقبول، ونرفض أن يستغل شخص منصبه إستغلالاً سيئاً ويمارس مثل هذه التصرفات)، ثم يستطرد رئيس اللجنة البرلمانية مخاطباً الرأي العام (ما على كيفو، المسؤول الدستوري ده لازم يدفع للشركة قروشها) ..!! ** هكذا مناخ العدالة في بلدي، بحيث يملأ البرلمان الصحف ضجيجاً ويشغل الناس، ليس باتخاذ موقف وطني في قضية حلايب، ولا باتخاذ موقف يجنب الشمال والجنوب الحرب في قضية أبيي، ولا باتخاذ موقف إنساني ووطني مسؤول يخفف عن كاهل المواطن وطأة آثار انفصال الجنوب وانحسار البترول..لا لتلك القضايا الكبرى كل هذا الضجيج البرلماني المصحوب بالتوجيه والوعيد والتهديد والذي تصدر قائمة أخبار صحف البارحة، بل كل هذا الضجيج فقط لأن مواطناً استأجر عربة من مواطن آخر، ورفض دفع قيمة الإيجار، لأنه يتميز عن صاحب العربة بصفة (مسؤول دستوري محصن)..ويخطئ البرلمان لو حسب ضجيجه هذا إنجازاً أو انحيازاً لهذا المواطن أو غيره، بل عليه فإن ضجيجه هذا يعني بأن هناك خللاً في العقل التشريعي بالبلاد، ولو لم يكن العقل التشريعي مختلاً لما لاذ هذا المواطن بأعلى جهة تشريعية في البلد لينال حقوقه من مواطن آخر يتميز بصفة (مسؤول دستوري) .. !! ** كان على البرلمان أن يسأل نفسه قبل ضحى البارحة : لماذا تميز القوانين هذا المواطن عن ذاك حتى أمام العدل والعدالة ؟.. وهل هذا مصير – ومسير- كل مواطن، بحيث يظلمه المسؤول فيستجير بالبرلمان ؟..وكم كلفت هذه الرحلة البرلمانية - زمناً ومالاً- هذا المواطن ؟.. وهل على كل الشعب السوداني أن يحذوا حذو هذا المواطن، فى أية قضية كهذه ؟.. هكذا الأسئلة التي تكشف (مناخنا التشريعي) .. أي، لو كان المناخ التشريعي نقياً، لما تكبد صاحب شركة ليموزين مشاق الرحلة إلى البرلمان ليسترد حقوقه من هذا الملقب ب(مسؤول دستوري)، بل لذهب بقضيته إلى النيابات والمحاكم لتسترد له حقوقه بكل سلاسة وعدالة ناجزة، وبلا ضجيج إعلامي، لأنها محض(قضية خاصة).. لم يرفع البرلمان الأمريكي الحصانة عن وزير دفاعها حين تقدم حمدان بشكواه ضده إلى المحكمة، ولم تنتظر الشرطة الأمريكية انتهاء الدورة الرئاسية للرئيس كيلنتون حين حققت وتحرت في قضية مونيكا، ولم - .. ولم .. ولم -لأن المناخ التشريعي هناك لايعيق سير العدل ولا مسار العدالة بالمتاريس المسماة بالحصانة، ولا يميز بين الولاة والرعية بالمعيقات التي من شاكلة (أنا زول مسؤول، أنا زول دستوري، أنا زول مهم، أنا زول قرن)..فالمسؤول الحقيقي هو الذي يضع نفسه في موقع بحيث يكون هو أقرب الناس للمحاسبة حين يخطئ في حق وطن أو مواطن، وليس الذي يتستر خلف تشريعات الحصانة وجدران حصونها في محاولة للهروب من المحاسبة.. وهيهات، غافل من يحسب بأن تلك المتاريس والمعيقات تمنع تحقيق عدل العادل الذي لايظلم عنده أحد، قد يمهل حينا ولكن لايهمل أبداً ..عليه، تحصنوا بتحقيق العدل فيما بينكم أولاً، ثم حصنوا أفراد المجتمع بتوفير العدل فيما بينهم، مع الرجاء - بصبر جميل - بأن تفتح أبواب السماء لمن لا تصد دعواتهم حصانة أو لا تعيق مسارها حصوناً ..!! إليكم - السوداني [email protected]