** قبل عقد ونيف، فاض النيل واجتاح أجزاء بعض أحياء العاصمة، وشاء القدر أن يكون الجزء الجنوبي لحي الرميلة من المناطق المتأثرة بالفيضان..زارهم أحد النافذين بحكومة ولاية الخرطوم مصطحبا وفدا إعلاميا كنت أحدهم، فاستقبلته الأسر المتضررة بحزن وأمل.. تفقد المنطقة ثم وقف على شاطئ البحيرة التي تحت مياهها منازل وشوارع تلك الأسر التي تنتظر دعمه بحزن وأمل..نافذنا لم يحس بآلام تلك الأسر ولم ينتبه لآمالها، ولذلك لم يكن مدهشا أن يقول للوفد الإعلامي وهو يحدق في بقايا جدران المنازل المغمورة : (يا جماعة رب ضارة نافعة، المكان ده ممكن يتعمل فيهو حوض سباحة، آآي نحن لازم نستفيد من الكوارث ونحولها لي منفعة عامة).. هكذا جادت عبقريته..لله في عقول بعض النافذين شؤون، أوهكذا همس البعض للبعض الآخر في ذاك العام ..!! ** وللأسف ذاك الهمس يعيد نفسه، لأن عبقريا كذاك النافذ يتحف بإحدى بنات أفكاره اليوم .. إليكم الحدث كما هو..قبل ثلاث سنوات، قدمت وزارة الصحة خارطتها الصحية لوزارة المالية، حيث بها عدد من المشاريع، منها مشروع إنشاء مستشفى حوداث جديد بمنطقة جبرة، جنوبالخرطوم ..أجازت المالية مشروع المستشفى لجدواه، بحيث حوادث الخرطوم القديمة لم تعد تسع كثافة آلام وحوادث سكان الخرطوم، إذ هي تستقبل حوالي (1000 حالة يوميا)، وسعة عنابرها لا تتجاوز(40 سريرا)، وكذلك لم تعد تتوسط أحياء الخرطوم التي بعضها يجاور أحياء النيل الأبيض جنوبا ، ثم هي في منطقة تعد الأكثر زحاما وتكدسا بالمارة والسيارة، بحيث لايصلها المصاب إلا بشق الأنفس..لكل ما سبق، وافقت وزارة المالية على مشروع المستشفى الجديد بجبرة، وتحمست له لتخفف بعض الأعباء على الحوادث القديمة ولتريح كل سكان أحياء جنوبالخرطوم من الصحافة الى جبل أولياء وربما تصل خدمات الحوادث الجديدة بعض أحياء ولاية النيل الأبيض أيضا.. المهم، خير وبركة، يلا أسسوها، أو هكذا تجاوبت المالية مع فكرة المشروع..!! ** وعليه، شكلت وزارة الصحة لجنة فنية برئاسة الدكتورة ناهد أبو زيد لتحويل فكرة المشروع الى أرض الواقع ..وانبثقت من تلك اللجنة لجانا طبية وأخرى هندسية، لعمل الدراسات الفنية للمشروع ..سافرت فرق هندسية وطبية الى الإمارات، وأخرى الى ماليزيا وثالثة الى روسيا، ثم جاءوا واجتمعوا بالأيام والأسابيع، حتى توصلوا الى خارطة مشروع من (5 طوابق)، على مساحة (3500 متر مربع)، تسع (160 سريرا)، وبها لأول مرة في السودان (قسم خاص لإصابات حوداث المرور)، و(قسم خاص لحالات التسمم)، و(4 غرف للعناية)، أي هي الأحدث والأكبر في السودان من حيث المواصفة الهندسية والفنية، لأنها جمعت تجارب ونماذج مشافي حوادث تلك الدول.. قدم الخبراء خارطتهم لوزارة الصحة، وهذه قدمتها للسلطات العليا والموازية، بما فيها وزارة المالية، فصدقت لهم المالية بالتمويل بنظام الصكوك، والحكومة لا تمول مشروعا بهذا النظام ما لم يكن مشروعا إستراتيجيا و(مهما جدا)..(7 مليار جنيه)، مليار تنطح مليار، هي تكلفة المرحلة الأولى التي انتهت بفضل الله، وهي مرحلة المباني، وشرعت الوزارة في التعاقد مع الشركات لتنفيذ المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة استيراد وتركيب المعدات الطبية، وتكلفتها تقدر ب (8 مليارات جنيه)، وموعد الافتتاح الذي يجب أن يشرفه رئيس الجمهورية أو نائبه هو نوفمبر القادم بإذن الله ..أها..أليس من حق الشعب أن يحتفي بهذا الإنجاز ؟.. نعم ولكن تابع عبقرية عقول جماعة (هنا ممكن نعمل حوض سباحة)..!! ** بجرة قلم، أصدر اللواء طبيب الصادق قسم وزير الصحة قرارا يوم الخميس الفائت بتحويل كل هذا المشروع الى (مكاتب إدارية) لمعهد تابع لوزارة الصحة واسمه (معهد الصحة العامة)..هكذا بكل بساطة، مستشفى حوادث كامل، في مرحلته الأخيرة والتي سبقتها مرحلة كلفت الشعب السوداني (7 مليارات جنيه)، أصبح بين ليلة وضحاها مجرد مكاتب إدارية لبعض أفندية كيان مسمى بمعهد الصحة العامة.. فلندع حاجة أهل الخرطوم وكل أهل السودان إلى مستشفى حوادث حديث يجنبهم مآسي التكدس في الأطلال البائسة والمسماة بحوادث الخرطوم ، فلندع تلك الحاجة.. إذ كيف لمبان تم تصميم وتنفيذ خارطتها الهندسية - بسبعة مليارات جنيه - بحيث تكون عنابر وغرف عمليات وطوارئ، تصلح بأن تكون - حسب تفكير عقل الوزير فقط - (مكاتبا للموظفين) ؟..خبرنا بالله عليك يا وزير الصحة، ماذا يفعل الإداري بمعهد الصحة أثناء ساعات العمل، بحيث يكافأ نظير عمله هذا بمقر معد بحيث يكون - بعد خمسة أشهر فقط لاغير - أحدث وأكبر مستشفى حوادث في طول البلاد وعرضها ؟.. السؤال بالبلدي : معقولة إيواء أفندية معهد الصحة بتاعك ده أهم من تخفيف آلام وحوادث وكوارث الشعب السوداني ؟.. كم عدد موظفي هذا المعهد ليحتلوا أرضا مساحتها (3500 متر مربع)، وبكل ما فيها من مبان كلفت الشعب (7 مليارات جنيه)..؟..لا، لن يمر قرارك بهدوء كما تشتهي ..سنواصل لنزيح غطاء المعهد، ونكشف للرأي العام ما تحت هذا الغطاء الزائف .. من المستفيد من إجهاض هذا المشروع أيضا ؟.. أي لن ننسى إجهاض مشروع زراعة الأعضاء التكافلي - غير الربحي - الذي جاء به بعض أبناء السودان الأخيار من السعودية .. من المستفيد من تعطيل وتدمير المشاريع التي تستهدف البسطاء الذين لاحيلة لهم ولا قوة للعلاج في الأردن وماليزيا والمشافي الخاصة ؟.. إليكم - السوداني [email protected]