** قبل العيد بأسبوع ونيف، قصد حوالي ثلاثين مواطنا - يتقدمهم محامي - مقر المجلس القومي للصحافة، لتقديم شكوى ضد بعض الصحف..هم بعض جماهير الهلال، وحسب تقديرهم أن هناك بعض الأقلام ببعض الصحف تجاوزت سقف النقد الموضوعي إلى حيث إساءة الهلال وبعض إدارييه ولاعبييه، ولذلك ذهبوا الى مجلس الصحافة بشكواهم، لينتبه لما يحدث من إساءة وتجريح..سلوك حضاري ويعكس بعض وعي المجتمع، حيث لهم ولغيرهم حق تنبيه وتصويب الصحف التي تخطئ - سياسية كانت أو رياضية أو اجتماعية -عبر مجلس الصحافة والمحاكم، فالصحف ليست مبرأة من الخطأ وليس من العدل أن يتحمل المجتمع خطأ الصحف و(قلة أدبها)، ولذلك من حق أي مواطن تقديم أي شكوى ضد أية صحيفة تنتهك عرضا أو تهدد أمن المجتمع وسلامة قيمه، ولهذا يستحق ذاك النفر - ومحاميهم - الثناء على ذاك السلوك الحضاري ..ولكن للأسف لم يلتزموا بتقديم الشكوى فقط، بل تلاسنوا مع رئيس المجلس ملاسنة غير كريمة..لم يجدوا الأمين العام، حيث كان وقتئذ يشغل وظيفته الثانية بوزارة الخارجية، ولايزال طبعا.. تلاسنوا وقالوا لرئيس فيما قالوا : (انت اللى بتحمي الصحف دي، وما قادر تعاقبها وبتخاف منها، وانت وانت وانت )..المهم، تلاسنهم مع رئيس المجلس خطأ أيضا، وخطأ تلك الأقلام التي هم جاءوا يشتكونها لايبرر لهم خطأ تصرفهم هذا مع رئيس المجلس ..!! ** الشيء الطبيعي هو أن يقاضيهم رئيس المجلس او يصفح عنهم، حسب تقديره الخاص جدا..ولكن تأمل ما يحدث، فالقضية انحرفت عن مسارها إلى مسار آخر..منذ أسبوع ونيف، أي منذ ذاك الحديث، لم يتوقف مجلس الصحافة عن إصدار تصريحات إرهابية ضد الصحف الرياضية، تارة يهددها بالإغلاق الجماعي ودمجها في الصحف السياسية، بحيث تصدر ك(ملاحق)..وتارة أخرى يهددها بسحب ترخيص بعضها وسحب شهادة سجل بعض أقلامها، هكذا يصرحون..إرهاب ما بعده إرهاب، وغير مسنود بأي قانون..وفجأة، يعقد مجلس الصحافة اجتماعا طارئا البارحة، رغم أنف العطلة الرسمية، ليواصل مسلسل ترهيب الصحف الرياضية، ويصدر ترهيبه في بيان كل ما فيه لا يتكئ على (إحم أو دستور)..يقول المجلس في بيانه : سوف نراجع الأداء المهني لكل الصحف، وسوف نراجع الخلل الإداري ببعض الصحف.. هكذا.. أخيرا يكتشف المجلس بأن الصحف الرياضية غير مهنية، ثم أخيراً يكتشف بأن هناك خلل إداري ببعض.. شكرا لذاك النفر الذي تلاسن مع رئيس المجلس قبل العيد بأسبوع ونيف، ولولا تلاسنهم ذاك لما اكتشف مجلس الصحافة هذه (الذرة).. وليس في الأمر عجب، اختزال القضايا العامة في الأنانية الذاتية ليس بدعة في هذه الدنيا، والانتصار لهوى النفس الفانية ولو على حساب قضايا العامة كان ولايزال سمة من سمات النهج الآحادي، في أي زمان وأي مكان.. وقديما أباد صدام حسين مدينة كاملة - بكل أكرادها - حين تعرض موكبه ذات يوم لرصاص مجهول، ولهذا يجب أن نحتفي بأن ينتهي محض تلاسن مع رئيس المجلس إلى قرار فحواه (إبادة الصحف الرياضية)، فأي متأمل لنهج الانتقام السائد في مجلس الصحافة عليه أن يتوقع بأن ينتهي التلاسن بإبادة زملائي وقراء صحفهم، وليست الصحف فقط، نعم إنهم يتقنون (فن الانتصار لهوى النفس، وليس لله والوطن)، والعياذ بالله ..!! ** على كل حال..الصحف، سياسية كانت أو رياضية، صدرت - ولاتزال - وفق قانونها، ومجلس الصحافة لا يملك سلطة تعطيل أو إلغاء أية صحيفة مستوفية لشروط ونصوص ذاك القانون، وإن أخطأت الصحف الرياضية وغيرها فالقانون يلزم المتضرر باللجوء إلى المحكمة لتحكم على الصحيفة والصحفي بالغرامة أو بالبراءة أو بسحب الترخيص..نعم المحكمة - وليست غضبة شمو ومزاج العبيد - هي السلطة الوحيدة التي تملك حق إصدار الأحكام ضد الصحف.. والمحاكم لا تصدر أحكامها بنهج (أية وازرة تزر وزر أخرى)، كما يهوى شمو ويأمل العبيد، بل أحكام المحاكم - دائما وأبدا - تتكئ على نهج (لاتزر وازرة وزر أخرى)..أي ليس من العدل - ولا من القانون الحالي - أن يخطئ قلم بصحيفة ويعاقبه المجلس بإلغاء ترخيص الصحيفة، ثم يعمم العقاب على كل الصحف، دي صحف ولا كتائب عكسرية؟، ليعم الشر ويخص الخير ؟.. ولكن ليس في الأمر مايدهش، نهج شمو والعبيد لا يختلف كثيرا عن نهج حضرة صول في جيش نابليون..المهم، بالمحاكم وأحكامها تستقيم مناحي الحياة، وليس بالفوضى والعنتريات وقانون الغابة، ولذلك دعوا أمر إصلاح الصحف وضبط مهنيتها للمحاكم، للمحاكم فقط، كما ينص دستور البلد.. وبالمناسبة، في حال تلقي أصحاب الصحف الرياضية قرار إلغاء تراخيص صحفهم ممهورا بتوقيع العبيد المروح، لهم حق الطعن الدستوري والقانوني في التوقيع ذاته، ناهيك عن القرار..إذ لا يسمح دستور البلد ولا قانون الخدمة العامة لأي مواطن بأن يتبوأ منصبين في الدولة، لاتطوعا - كما قال العبيد - ولا بالراتب..وهل بالله عليكم، الخلل الإداري بالصحف الرياضية أفدح وأفضح من مخالفة ( احتكار منصبين )..؟..أي، لن ينصلح حال الصحف والمجتمع ما لم تصلح مؤسسات الدولة – التي من شاكلة مجلس الصحافة وغيره كثر - حالها، وليست من علامات الحكم الراشد أن يرشد الراعي رعيته بيد أن ذاته بحاجة إلى رشد ..!! إليكم - السوداني [email protected]