عبق البارود يزكم الأنوف ورائحة الاحتدام تملأ الأفق.. وأنا هنا على الطرف الآخر للعبور إليك.. تزاور طرائقي ومساراتي غلظة قلوب «الشبيحة».. ومالي سواء طريقك خيار.. الأمل يحدوني ودواخلي تدفعني ونوابضي تختلج علواً وانخفاضاً وأنت ملاذي وبلوغك الوصول إلى بعض النعيم والخلود الدائم، ولكن قلوب «الشبيحة» من حولي تعصر الدماء من الشرايين والأوردة وتستخلصها خلايا من جذع الشوارع والبيوتات النبيلة وبطون عشائر النقاء لتبيحها هدراً رخيصاً والرؤية تعتم المجال كله ضباباً للجسور والمعابر، وما أقسى أن تمر من أمام أصحاب تلك القلوب القساوة والحجارة لتفرض ساديتها المتجذرة.. أليس لهؤلاء قلوب ومشاعر يدركون بها بعض الإنسانية؟.. ولكن الإصرار بداخلي يدفعني للعبور إليك ومظاني أن التقيك في وسط الطريق فلا بلغتك في مأمنك ولا أدركتني في مخاطري ولكن يكفيك فخراً أنك حركت سواكن البئر الراكد.. لا يغني مقياس الربح والخسار بقدر ما أنك أطلقت عني شلل الإرادة وحررت شهادة الوفاة للخوف من السلطات لم يعد يعني في سبيلك أن تسكن صدري رصاصة الموت الرحيم أو أن يقتلع «الشبيح» روحي من بين مأمنها ما دامت هذه الروح في سعيها وطوافها تقصدك مبتغىً لسدرة المنتهى وإحرام اعتمارها «أن اللهم اقبلني لديك واجعلني فداءً لبلادي».. إنها خاطرة عربي صار يبحث عن الحماية الدولية عندما أعرض عنه إخوته من لحمة العروبة وسداة الإسلام.. لا تلوموه ولا تحذروه ولا تزجروه.. فقد بحث عنكم في الاتجاهات والقبل فلم يجدكم ووجد أجندتكم التي تحاذر السلطان والبعث المستمر لمصالحكم.. لا تقولوا له لا تقع في حضن الآخر فقد سددتم عنه حضنكم الدافئ وترتكتموه يبحث عن من يحنو عليه ويداوي جراحاته الثخينة والممكنون لا يعاتبه القادر البخيل بقدرته.. فقلب الشبيحة لم يترك له خيار إلا اللجوء إلى هذه الحماية الدولية التي تستنكرونها عليه «نقطونا بسكاتكم أيها الجبناء». أين أنتم ونحن؟ عندما كان العالم يدرس التفاصيل الدقيقة والتحليل المطلوب فيعد عدته للغد.. أحسب أننا كنا في نوم عميق تلهينا التفاصيل التافهة عن الجد والجدية وعندما فتحنا عين واحدة من ثبات الأمس الطويل وجدنا العالم قد بارح المحطات البائسة والشخوص التعيسة إلى الغد استباقاً وعمقاً.. وعرفنا أننا نحتاج لسنين ضوئية كثيرة ينام فيها العالم ونستيقظ نحن لعلنا ندرك بعض محطاتهم التي ناموا عندها.. بالله كيف لا نكون كذلك ونحن نهدر الوقت والجهد في توافه كثيرة.. نخوض في التفاصيل الثانوية بلا مبرر ونستبيح إهدار العمر بلا حساب وما يمكن أن ننجزه الآن يمكن أن نتركه يتمدد مع الأيام فحدود المرونة عندنا أوسع من مدى القطع والحسم ما شاء الله لها.. فلا يمكننا أن نلوم الآخرين على سعيهم وجديتهم أن هم بلغوا بها الثريا.. ولا يحق لنا أن نكون بداخلنا العدائيات لمجرد أننا «بمهلتنا» صرنا خلف الصفوف.. وبدلاً عن ممارسة «البله» في دروب الحياة علينا أن نكون أكثر قدرة على إدارة الإنسان بداخلنا فلا نتركه مطلوقاً بلا قيد ولا نقيده حتى يقعد بأغلاله.. والتعويل على تغيير الإنسان أكبر من التعويل على الآلة والمادة.. فمتى نصطف مع هؤلاء في مقام ومصاف المتقدم من العالم، الدول، الإنسان ومتى نزيل الغشاوة التي تجعلنا دائماً ما نرى الآخر عدواً محتملاً ومتربصاً متأمراً.. وندمن نظرية المؤامرة للدرجة التي نعتقد فيها أن ظلنا يتأمر علينا.. آخر الكلام أطرد الخوف.. ومارس حقك ما دام أنه لا يخرج عن الإطار الصحيح ومبدأ الإصلاح والتغيير.. وإلا فإن «الشبيحة» هم نفسكم وذاتك.. ولا تنتظر نوم الآخرين لتلحق بهم، ولكن استيقظ أكثر عندما تبدأ مهامك في الحياة.. ولا تلقي بالاً لكل من يقف عثرة في الطريق، اجعلهم مجرد ذكرى عابرة.. مع محبتي للجميع.. سياج - آخر لحظة [email protected]