يبقى (زمان) على مر الزمان.. هو الأشهى في عُرف التمني رغم إعرابه كفعل مبني على المستحيل .. يبدو لنا وكأن اليوم الأسعد في حياتنا هو الذي بالفعل قد عشناه.. وتظل حكايات أمسنا تلاحقنا في مناماتنا .. تباغتنا في شرودنا .. وتنقض علينا في مواقيت الضجر والمواجع و لُحيظات الحنين، لتسقينا من كأس مزاجه من شوق أو ربما ندم، تراودنا عن أحلامنا كغانيات من حوانيت الأمس يحلو لهن الرقص على إيقاع ذلك الحنين، هي أسطورة (زمان) .. التي تصور لنا حتى تفاصيله العادية جداً والتي لا تزال في منالنا مصبوغة بألوان الفرح الذي نشتاق إليه.. و صوراً ذات لونٍ أبهى في ألبوم الصور توهمنا بأننا كنا أكثر سعادة .. أوفر صحة .. وأنقى و أجمل، بينما ربما كنا وقتها غير مدركين بأن هذا الوقت هو الأجمل في حياتنا والذي سوف نظل نتذكره. يتغير الزمن وتتبدل تفاصيله ولكن هل بالضرورة أن يكون الماضي أجمل؟.. يحلو لنا أن نعلق على الآتي بطاقات الرجاء.. بينما نحنّ للماضي وننسى بين هذا وذاك أن نعيش اليوم!، فهل رغبتنا في البكاء على طلل الأمس وتمنياتنا المستحيلة بإعادة لبن أيامنا المسكوب ليسوا سوى ضروب من ممارسة فن الهروب!.. من التعاطي مع مواجع اليوم وإحباطاته.. أو من الغد وخشيتنا مما سيأتينا به من نقص في عدادات أعمارنا؟، يحلو لنا التشبث بنضارة الشباب فينا وذلك الحس الطائش بالحياة الذي مع مرور الوقت فقدناه. بالنسبة للنساء فهن يحقدن على الوقت وسطوته التي تسرق منهن ربيعاً يعني لهن كل شيء، ولكن في حياة كل منا عمرٌ أجمل من عمرْ، بالنسبة لي فالعمر له مزايا لا أقايضها برحلة في كبسولة الزمن تعود بي إلى الوراء.. فقد فرغت للتو من حمل الحقائب والدفاتر إلى مدرسة وجامعة وصرت أختار ما أقرأه.. أليس ذلك أجمل؟، عندما نكبر نختار بأنفسنا أكثر.. نتجمل بالصبر أكثر.. بالحكمة أكثر .. نتزود بعصير تجاربنا المجدد للحياة، والذي يزودنا بطاقة أكبر للسعادة فالكثير من الآلام عشناها وانتهى.. والكثير من المفاجئات لم نعد نتوقعها.. وبقي لنا ذلك الهدوء الداخلي الآمن الذي يسكننا.. نابعاً من وثوقنا أكثر بقوتنا على مواجهة تحديات الحياة، ومن عثورنا أخيراً على تعريف لذاتنا.. بعد أن انفضت معارك الذات. يكون العمر أجمل.. عندما ننسى الأمس ونتناسى الغد.. ويبقى اليوم هو شغلنا الشاغل وفيه نستقل سلم إنجازاتنا درجة درجة، في واحدة من صلوات المسيحية يقولون اللهم أمنحني القوة لتقبل ما لا يمكنني تغييره، و بالنسبة لنا فالرضا بالقدر هو الركن السادس من الإيمان، فلو كان العمر واحد من الأشياء التي لا نملك فيها يداً لماذا نواصل مُقتنا له؟ وتمردنا على أرقامه فنمارس فن خداع الذات و التدليس على الغير بالخصم والإضافة إليه، علينا التوقف عن معاملة أنفسنا على أننا معلبات لها تاريخ صلاحية، ونتصالح مع حقيقتنا، نحرر أنفسنا من عبء الشعور بسيف الزمن مسلط على أعناقنا ونحياها حتى النخاع، وذلك مع حبنا للأمس الذي يبدو لنا أجمل، وبدل أن نغني (يازمن وقف شوية) دعنا نحياه عمراً دسماً نستمتع بنكهاته حتى يأتي يوم لنغني مع فيروز (كان غير شكل الصابون.. وكان غير شكل الليمون.. حتى عيونك يا حبيبي كان عندك غير عيون!). ساندرا طه - صحيفة حكايات