كتبت قبل أيام قليلة عن السائح العربي الذي نسي حقيبة بها ما يعادل أكثر من عشرة آلاف دولار، وجواز سفره وأوراق مهمة أخرى من بينها بطاقات الائتمان في سيارة تاكسي أثناء زيارة له لإمارة دبي، وكيف داخ سائق التاكسي الباكستاني لساعات حتى عثرت الشرطة على صاحب الحقيبة وردّتها إليه، فقام وبكَرَمٍ حاتِمي بِمَدّ يده بعشرة دراهم (أقل من 3 دولارات) إلى السائق.. دعوني أحكي لكم اليوم حكاية المتشرد الأمريكي أسود البشرة بيلي راي هاريس الذي ظل يعيش في أحد الميادين العامة في مدينة كنساس سيتي، واضعا أمامه علبة صغيرة كي يتصدق المارة عليه، وينام تحت أحد جسورها، وذات صباح مرت أمامه الشابة الأمريكية ساره دارلنغ، ورأفت لحاله ورمت في العلبة بضع بنسات معدنية، ولم تنتبه إلى أن خاتم خطوبتها الماسي البديع سقط داخل تلك العلبة، ووقعت المسكينة في حيص بيص لأن للخواجات ولعاً عجيباً بالخواتم وكل الأشياء ذات القيمة الرمزية العاطفية، (فما بالك إذا كان خاتما ماسيّاً بالشيء الفلاني) وبحثت عن الخاتم في كل الأماكن التي مرت بها في ذلك اليوم، فزارت كل مكان توقفت عنده لسبب أو لآخر، ولم تجد للخاتم أثرا، فقررت مواصلة خط سير «المراجعة لمسارها الأول» ومرت أمام المتشرد هاريس الذي ما إن رآها حتى صاح: سيدتي أظن أن هذا الخاتم سقط من يدك في علبتي .. كاد قلب ساره أن يقع في الشارع الأسفلت من فرط المفاجأة السعيدة... ووجدت نفسها عاجزة عن شكره بالكلمات لأن هاريس قال لها إن الأمر «لا يستأهل.. كل ما هناك هو أنني رددت إليك شيئا يخصك، ولست من الغباء بحيث أفترض أن شخصا ما سيتصدق عليّ بخاتم من الألماس».. واتضح لاحقا أن هذه لم تكن أول تجربة للمتشرد هاريس مع الخواتم، فقبل سنوات عثر قرب فندق انتركنتننتال في المدينة على خاتم تذكاري يخص لاعب كرة أمريكيا شهيرا، ولما علم أن الفريق يقيم في الفندق توجّه إلى هناك حيث رد الخاتم للاّعب، فاستضافته إدارة الفندق لثلاث ليال في غرفة فخمة من باب رد الجميل لشخص فقير ولكن نبيل. فقط بعد العثور على الخاتم، وجدَت سارة الشَّجاعة لتكلم خطيبها بيل كريجي بأمر فقدانه واسترداده، ثم قررت نشر الحكاية على الإنترنت، مقرونة بمناشدة لمن يقرأها بأن يسهم في مساعدة هاريس على هجر حياة التشرد ومساعدته على الاستقرار بدرجة أو بأخرى، وخلال أيام قليلة بلغت التبرعات التي انهالت على الحساب الذي تم تخصيصه للتبرع عشرات الآلاف من الدولارات، وصار هناك مبلغ يكفي هاريس لشراء بيت من ثلاث غرف في ولايته الأصلية تكساس التي ابتعد عنها كي لا يصبح عبئا على أسرته بعد أن فقد وظيفته، وعندما استضافته قناة كيه. سي. تي. في. لتسأله عن الحكاية، قال هاريس ما معناه: ما الذي دهى الناس، وما لزوم هذه الدوشة والزيطة والزمبليطة.. هل صار رد الحقوق إلى أصحابها عملا بطوليا؟ فور قراءة حكاية هاريس قررتُ – مخلصاً وصادقاً ومن أعماق تلافيف قلبي- التبرع له بمبلغ رمزي ولكنني فوجئت بأن موقع التبرع المخصص لإعانة المتشرد هاريس «Give Forward» توقف عن قبول التبرعات اعتبارا من 26 إبريل المنصرم بعد أن بلغت جملة التبرعات 191,770 دولارا تبرع بها 8353 شخصا.. ومن يفعل الخير لا يعدم جوازيه. جعفر عباس [email protected]