ذهب أحدهم إلى أن القول المذكور أعلاه هو الصحيح، وليس ماهو شائع من قول هو في البير وقع فيهو الفيل)، ولكنني حينما بحثت في صحة قوله لم أجد سندا قويا، رغم قوة موسيقى كلمة (الفير) مقرونة بكلمة (البير)، وفي كلتا الحالتين فالمعنى أن شخصا وقع في بئر، وقبل أن يفيق من الأزمة الأولى، وداخل هذه البئر وقع عليه شيء حطمه تحطيما، فإما كون هذا الشيء هو (الفير( ، ومعناه بدارجية غير مشهورة، الشيء الثقيل الذي يوضع على غطاء البئر_ كما يدعي صاحبنا_ أو هو الفيل، الحيوان المعروف! ولكم أن تتخيلوا_ إخوتي _ أي معاناة هذه التي يعانيها هذا المسكين، وأي موقف صعب هذا الذي يعيشه! الشعب السوداني (الفضل)، شعب ما زال مثخنا بجراح الانفصال، ومتأزما من غلاء الأسعار، ومتألما من ممارسات الفساد، وحدة الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، فإذا به، يجد نفسه في مواجهة أخرى مع السوق، ربما تزيد بسببها الأسعار ويطحن بسببها محمد أحمد الأغبش طحنا، تلكم الزيادة المتوقعة في أسعار المحروقات! الحقيقة أنه مهما ساقت الدولة وآلتها الإعلامية ومنابرها السياسية و(علماؤها) المحللون، من التبريرات ما يحمل الناس على قبول زيادة أسعار المحروقات فإن الأمر فوق طاقة الناس وغير محتمل جملة وتفصيلا، فالزيادة في هذه السلعة تعني زيادة التشغيل والترحيل، وبزيادتها يزيد كل شيء! لقد صبر الناس حد الصبر وهم راضون، ثم صبروا وهم متململون، ثم صبروا وهم كارهون، فماذا يفعلون بعد أن أكملوا كل دورات الصبر، وزادوا على قول القائل: سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري؟ ولأن الأمر كذلك فإن واجب الدولة البحث عن حلول غير تقليدية لحل هذه المشكلة، وأظنني لن أكون بدعا من المنظرين إذا أشرت إلى قيادات الدولة بالتنازل عن نصف ثرواتهم، أو ربعها أو ثمنها أو غير ذلك لصالح الخزينة العامة، فقد أفتى بما يشبه هذا سلطان العلماء العز بن عبد السلام يوم استفتى في أخذ الضرائب من الشعب لتجهيز الجند، والفتوى مشهورة ذكرناها قبل في هذا العمود. ولن أكون بدعا من المنظرين، إذا أشرت إلى الاجتهاد في (التأصيل) للتأميم، ففي فعل سيدنا عمر رضي الله عنه في عام الرمادة مايشبه ذلك! وما بين هذه الحلول المستحيلة في ظل القبضة الرأسمالية الجشعة على مفاصل الدولة وانطلاق الناس من منطلقات التكاثر في الأموال، فإنني أسعى لوضع حجر أمام سيل جارف، فمواطننا المسكين _حقاً_ (في البئر) ونخشى أن يقع فيهو الفير أو الفيل.. لا يهم! حلو مر - د. فتح الرحمن الجعلي صحيفة السوداني