كلّما رُحت أُوضّب حقيبتي لأيِّ وجهة كانت، تذكّرت نصيحة أندريه جيد: "لا تُهيئ أفراحك"، وخفت إن أنا وضعت في حقيبتي أجمل ثيابي، توقُّعاً لمواعيد جميلة، وأوقات عذبة، قد تهديني إياها الحياة، أن يتسلّى القَدر بمعاكستي، وأشقى برؤية ثيابي مُعلَّقة أمامي في الخزانة، فيتضاعف حزني وأنا أجمعها من جديد في الحقيبة إيّاها من دون أن تكون قد كُوفِئَت على انتظارها في خزائن الصبر النسائي، بشهقة فرحة اللقاء.. و"الرقص على قدمي(ه)"، حسب قول نزار قباني. مع الوقت، تعلّمت أن أفكَّ شفرة الأقدار العشقية، فأُسافر بحقيبة شبه فارغة، وبأحلام ورديّة مدسوسة في جيوبها السرّية، حتى لا يراها جمركيّ القدر فيحجزها في إحدى نقاط تفتيش العشّاق على الخرائط العربية. بتلك الثياب العادية التي لا تشي بأي نوايا انقلابية، اعتدت أن أُراوغ الحياة بما أُتقنه من أدوار تهويميّة تستدعي من الحبّ بعض الرأفة، فيهديني وأنا في دور "سندريللا" أكثر هداياه سخاءً. ذلك أنّ الحبَّ يحبُّ المعجزات. ولأنّ فيه الكثير من صفات الطُّغاة.. فهو مثل صدّام (حسب شهادة طبيبه) "يُبالغ إذا وهب، ويُبالغ إذا غضب، ويُبالغ إذا عاقب". وكالطُّغاة الذين نكسر خوفنا منهم، بإطلاق النكات عليهم، نحاول تصديق نكتة أنّ الحب ليس هاجسنا، مُنكرين، ونحنُ نحجز مقعداً في رحلة، أن يكون ضمن أولويات سفرنا، أو أن يكون له وجود بين الحاجات التي ينبغي التصريح بها. يقول جان جاك روسو: "المرأة التي تدَّعي أنها تهزأ بالحبّ، شأنها شأن الطفل الذي يُغني ليلاً كي يطرد الخوف عنه". من دون أن أذهب حدّ الاستخفاف بالحبّ، أدَّعي أنني لا آخذه مأخذ الجدّ. في الواقع، أبرمت ما يشبه مُعاهدة مُباغتة بيني وبين الحبّ، وأن يكون مفاجأة أو "مفاجعة". فهو كالحرب خدعة. لذا، أزعم أنني لا أنتظر من الحب شيئاً، ولا أحتاط من ترسانته، ولا ممّا أراه منهمكاً في إعداده لي، حسب ما يصلني منه من إشارات "واعدة"، واثقة تماماً بأنّ أقصر طريق إلى الحب، لا تقودك إليه نظراتك المفتوحة تماماً باتِّساع صحون "الدِّش" لالتقاط كلّ الذبذبات من حولك، بل في إغماض عينيك وترك قلبك يسير بك.. حافياً نحو قدرك العشقيّ. أنتَ لن تبلغ الحب إلاّ لحظة اصطدامك به، كأعمى لا عصا له. وربما من هذا العَمَى العاطفي الذي يحجب الرؤية على العشّاق، جاء ذلك القول الساخر "أعمى يقود عمياء إلى حفرة الزواج". ذلك أنّه في بعض الحالات، لا جدوى من تنبيه العشّاق إلى تفادي تلك المطبّات التي يصعب النهوض منها. ثمَّ، ماذا في إمكان عاشق أن يفعل إذا كان "الحب أعمى"، بشهادة العلماء الذين، بعد بحث جاد، قام به فريق من الباحثين، توصَّلوا إلى ما يؤكِّد عَمَى الْمُحب. فالمناطق الدماغيّة المسؤولة عن التقويمات السلبية والتفكير النقدي، تتوقف عن العمل عند التطلُّع إلى صورة مَن نحبّ. ومن هذه النظرة تُولدُ الكارثة التي يتفنن في عواقبها الشعراء. وبسبب "الأخطار" التي تترتَّب عليها، أقامت محطة "بي.بي.سي"، بمناسبة عيد العشّاق، مهرجاناً سمَّته "مهرجان أخطار الحب"، استعرضت فيه كلَّ "البلاوي" والنكبات، التي تترتَّب على ذلك الإحساس الجارف، من إفلاس وانتحار وفضيحة وجنون أرشيف أحلام مستغانمي