ويغرف لنا من مواعين الشجن ما يملأ معدة الروح، وتفيض، الفنان الراحل (إبراهيم عوض )، بعد أن كتب له الشاعر (سيف الدين الدسوقي) المصير: (ليه بنهرب من مصيرنا نقضي أيامنا في عذاب؟ ليه تقول لي انتهينا ونحنا في عز الشباب؟) فيتشابى العشاق المهجورون على أعقاب قلوبهم يسترقون الأسى، بزعم أن الحالة حالتهم، لكن الشاعر تلبسها شعراًَ، بلسان صدق المغني الحزين. وتنتشر بين القلوب، تنقل ما استطاعت من حزن حب مهجور على مصير حياة عاشق (يا دوب) ابتدأ. والعشاق كأنانيين لا يحفلون بالنسخة الأصلية للهجر، يحورونها بحسب مزاج مصائر قصصهم هم، ونهاياتها الحزينة. فالحزن كما يقال هو ملح القصائد ونكهتها المميزة، لانتشار عبيره بين الناس أجمعين، ربما لأن الحب لا يحلو سوى بالأحزان – كما يقول سيد العاشقين الشاعر نزار قباني (إن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان) - فما بالك إذا كان هذا الحزن مقروناً بحالة تقرير مصير لعلاقة وليدة يناشد فيها العاشق القدر أن يترفق بهم، فلابد إذاً في حال نهايتها أن يكون الحزن (زائد ملح) وأن تكون المناشدة زائدة (كسّير).! تقول صديقة لي - بالمناسبة هي خائبة حب، لكن لا تخبروها بنميمتي هذه - إن الكسور العشرية النفسية والروحية والجسدية لا قدر الله المصاحبة لأية حالة حب مهما كانت مميزة، هي التي تحقق للحالة التميز ومصير ذكراها في حال أن قرر القدر الفراق. هناك حالات حب مؤسفة في مصيرها - إن كان الحالي أو الآتي - فهي تتزحلق من الذاكرة كرغوة صابون رخيص تتطاير فقاعاته بمجرد ملامستها للهواء الطبيعي للحياة ولا تتذكرها وشخصها، ولو حاولت إبقاء يديك مغلقة عليها! وعلى ذات المنوال هناك حالات كالعطر الثري منسوجة بعناية خيطاً.. خيطاً، لا (تتفرتق) مهما كان مصير نهايتها، وتبقى محفوظة في دولاب الذاكرة في الرف العلوي داخل كيس بلاستيكي كي لا تتأثر بالغبار! نلمسها بعد كل حين وقد نفتحها لنعيش عطرها (تاني مرة .. ألف مرة)! مثل هذه الحالات الحلوة - رغم انقراضها حالياً - نحس بمرارة مصيرها أكثر وتفجعنا نهاياتها أكبر من الحالات المنزلقة الأخرى. وآخرون منا يحسنون إجادة إدارة العلاقات العشقية، فلا يكون مصيرها مشجوناً كمصير أغنيتنا، وعشاقنا المهجورين، ومهما تكفل القدر بإغلاق ملف حالتهم العشقية يعرفون كيف يديرون نقاش حالة جديدة تضع (الديتول) على سجحات العلاقة السابقة، فتتطهر وتتركها للهواء الطلق، فتجف سريعاً ليتمتعوا هم بصحة جيدة، وجديدة! وفي ذلك لا يتكفلون بشيء يذكر من التكاليف الباهظة لعناء الحزن والأسى على مصير ماضي علاقة، فقلوبهم في عز الشباب! لكن ما يشيب له رأس الولدان، هو تأخر صدور قرار مصير علاقة بين شريكين، مهما حاولا الهروب منه، ومهما حاولنا كجمهور منتمٍ أو لا منتمٍ لأي منهما، أن نتجرع أيام العذاب بدلاً عنهما لمحاولة استطالة القصة الجميلة أو تمديد الساعات كي لا يأتي ميقات مصيرها، نحاول تصديق الدفء في السلام ونظرات الحب ورسائل الغرام بينهما التي توحي بأن المصير واحد وما ينطق به لسان حالهم بأن (قدرنا نعيش سوا) لكن تفضحهم فجأة النميمة المسجلة لكليهما بأن العلاقة قد انتهت! والمصير قد تقرر بأن يعيش كل شريك بجهة، ويتركا لنا الملح ليملأ (خشومنا)، وأن نتكسر فرادى، تتشابى آذاننا على حوائط الأثير علّنا نسمع صوت أحد الشريكين يردد بأسى وبالغ الحزن (وهسه تايهين لينا مدة بنجري من خلف السراب!).