*كنا يومها نتزاحم، الكتف بالكتف والقدم بالقدم، أمام وزارة الزراعة الاتحادية بشارع الجامعة بالخرطوم، أكثر من إعلامي اعترف لحظتها أنه يدخل وزارة الزراعة لأول مرة في حياته، فنحن معشر الصحافيين الذين عرفنا الطريق مبكراً إلى كل الوزارات والمؤسسات ، كثير منا يومئذ أنفق كثيراً من الوقت والأسئلة ليتعرف على مكان وزارة الزراعة. *كانت صحافة الخرطوم يومئذ لا شغل لها إلا عن ما عرف بقضية زهرة الشمس وكان السيد الوزير إسماعيل المتعافي قد دعا إلى مؤتمر صحفي مشهور بمقر الوزارة ليوضح فيه ملابسات (قضية الساحة) قضية زهرة الشمس التي أقامت دنيا الفضائيات والصحافة ولم تقعدها. *ولم نكد نخرج من أزمة (زهرة الشمس) إلا ودخلنا في مجموعة ملفات زراعية أذكر منها قضية المبيدات ثم قضية القطن المحور وراثياً وغيرها من القضايا الزراعية وصولاً لقضية التقاوي الأخيرة التي شغلت الميديا والناس لأسابيع بأكملها. *وأزعم أن بيت القصيد في كل تلك الحملات هو الوزير المتعافي، وليس هذه التقاوي والمبيدات، ولو أن وزيراً آخر غير المتعافي على وزارة الزراعة لما نهضت تلك المواكب الإعلامية والحملات الصحفية وإلا ألم تكن في وزارة الزراعة السودانية من أزمات عبر تاريخها المزمن المديد المثقل بالإخفاقات لتتناوله الصحافة السودانية! وسترون في مقبل الأيام كيف أن الإعلام سيجفف وتنحسر أنشطته عن الزراعة برمتها، وربما لم تسمعوا عن تقاوي فاسدة أو غير فاسدة. *لتدركوا في نهاية المطاف أن (المتعافي) نفسه قد أصبح (خبر شباك) في الصحافة السودانية، ولقد سجلت خطوطه ومنيشتاته ومقالاته درجة مبيعات وتوزيع عالية، وبإمكانكم أن تتساءلوا لماذا ترك حتى كتاب الفنون والأغنية السودانية قضاياهم والتحقوا (بالحملة القومية للتقاوي)، ذلك لأن مواد السيد المتعافي، تقاوي كانت أم زهرة الشمس أم قطناً كانت هي الأكثر اطلاعاً وتعليقاً في أرصفة المدينة وقارعة الطرقات وفي خيام الأفراح والأتراح. *إذن السيد المتعافي هو ذلك الرجل الذي أينما حل في منصب جعل لذلك المنصب ألقاً وحيوية وفاعلية، فحتى الزراعة خاملة الذكر جعل منها قضية هي الأولى في كل الصحف والقنوات ومجالس الرأي العام. *يحمد للرجل المتعافي أن ساهم في ازدياد المساحة والموضوعات الخضراء في صحافتنا السودانية، فنحن أمة الزراعة نمتلك عشرات الصحف السياسية والرياضية والفنية، ولا نمتلك دورية متخصصة واحدة عن قصتنا الأولى الزراعة، دعك من صحيفة متخصصة، فربما أسبوع كامل قبل المتعافي لا يرد مقال واحد عن الزراعة، فلقد نجح السيد المتعافي في إعادة الزراعة إلى صدارة الإعلام وزخمه. *فرحيل السيد التعافي سيريح كثيراً من الأقلام التي جعلت منه قضية مهنية ساخنة منذ ولايته على الخرطوم، هكذا ذهب السيد المتعافي وستذهب معه إلى التقاعد التغطيات الزراعية الشاهقة وستعود الزراعة وتقاويها وأزهارها إلى ذاكرة النسيان القديمة. *كثيرون ربما يخذلهم أدب الوفاء ليكتبوا للتاريخ أن النهض الحقيقية العمرانية لولاية الخرطوم ارتبطت بولاية السيد المتعافي، وهو الذي وضع الحصان أمام العربة. *مخرج.. قال لي الأخ الصديق الطاهر حسن التوم، إن الوزير المتعافي من القلائل الذين لا يشترطون أسئلة بعينها قبل الحلقة ولا يحتاج إلى منديل أو كوب ماء.. كان أبلجاً لا يتعلثم في أصعب القضايا والأوقات. *مخرج أخير.. لا أعرف عن ماذا سنكتب، فليكن عن الزراعة ما بعد السيد المتعافي وستدركون أن الأزمة الزراعية لم تكن (رجلاً) هو المتعافي، هي أزمتنا جميعاً كدولة وشعب، فسلام عليك أخي عبد الحليم في اللاحقين المجتهدين، والحمد لله رب العالمين.. ملاذات آمنه - صحيفة اليوم التالي