(المجادل) وظيفة قديمة اجترحتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، يشغلها في الغالب قانوني تختاره كي يجادل ضد القوانين التي يضعها المُشرعون أو أعضاء المجلس الكنسي، ومهمته أن (يشكك) في جزئيات من تلك القوانين وينقب عن أخطاء، وينفذ إلى غرضه من خلال الثغرات والجدل ضد القانون، وقد أطلق في وقت متأخر نسبياً على هذا النوع من القانونيين مُصطلح محامي الشيطان(The Devil's Advocate)، وهذا أيضاً عنوان لأهم فيلم رعب أميركي من بطولة كيانو ريفز، آل باتشينو، تشارليز ثيرون، وهيثر ماتاراتزو. في حوارية، بين "عزمي عبد الرازق وعبد الباسط سبدرات" نشرتها أمس يوميتنا هذه، استخدم الأخير عبارة (محامي الشيطان)، واتهم في سياق مرافعته عن قضية (لجنة تحكيم الأقطان) التي مثل فيها شركة (مدكوت)، جهات لم يسمها بأنها تريد (شيطنته)، بعد أن (قضت وطرها) من رئيس المحكمة الدستورية. وأنا هنا لست بصدد تفنيد الحجج والمبررات التي دفع بها سبدرات في مرافعته، وإنما بصدد تفكيك بعض العبارات التي استخدمها في الحوار وتحليلها بغرض (التسرِّية والإمْتاع والمؤانسة)، ومنها أنه في معرض إجابته عن سؤال عزمي، (ألا تشكل قضية التحكيم جريمة؟)، قال: كيف يعني جريمة؟ وإذا كانت كذلك فهل هي أول جريمة ارتكبت في السودان؟ ولنفترض أنها جريمة فهل تم فتح بلاغ في حق من ارتكبوها؟ ثم أضاف: (في علمي أنها ليست جريمة، وإنما المقصود أن يتم الإيحاء بلغة مشبوهة بأن في الأمر رائحة، نطفة ومضغة وعلقة مخلقة لحمل حرام بغير زواج شرعي). ثم وصف سبدرات التناول الكثيف لهذه القضية بحملة الدفتردار الانتقامية، وأن هنالك جهات تريد تفكيك الإنقاذ بدءاً به (شخصياً). لا أعرف، لماذا بدت ليّ صورة (سبدرات) في مرايا الحوار، شبيهة بصورة (مُحامي الشيطان) ذاك الذي في (الفيلم)، لا الذي في (الكنيسة)، ربما هي العبارات التي استخدمها في مرافعته جعلته يبدو لي وكأنه استشاري (نساء وتوليد) أكثر من كونه (قانونيا)، مفردات مثل (قضت وطرها، نطفة، علقة، مضغة، حمل حرام)، تشي بذلك. من بعد أن قضى (سبدرات) وطره من هذا النوع من المفردات، مدّ يده إلى (ماعون) المُصطلحات (ذات الجرس العنيف)، مثل تشبيهة للتداول الكبير لقضية التحكيم في أجهزة الاعلام ومجالس المدينة ب(حملات الدفتردار الانتقامية)، ثم تخليقه لهذه النطقة إلى مضغة وعلقه ثم جنين مكتمل تريد (جهات ما) الفتك به تمهيداً لتفكيك الإنقاذ. كنت أريد هنا أن أخلُص إلى أن (سبدرات)، ربما اختلطت عليه (الاختصاصات) في حواريته تلك، فأطلق عنان الشاعر، وأرخى يد القانوني، لولا أنني فوجئت أن (غلة) سبدرات الشعرية لا تتجاوز بضع قصائد و(رجعنالك)، بينما مخازنه القانونية ملأى بأطنان التمر والقمح الشعير، ولا تشكو قلة جرذانها، فاستغربت إثراءه لحواره بالشعرية، وإفقاره من (القانون)!! الحصة الأولى - صحيفة اليوم التالي