موت محمود درويش ترك تلك القضية المقدسة عارية، سوى من حناجر وخناجر أبنائها. رَحل درويشهم وبقي محمودنا: "ميم المغامر والمعدّ المستعد لموته / الموعود منفياً مريض المشتهى". الشاعر الأبهى مضى فتىً كما جاءنا. لم يشِخ. ظلَّ يحمي صورة الشاعر في وسامته الأبدية، وعنفوانه الأزلي. رفض, كما رفض قبله نزار، أن نراه في هيئةٍ تخذل قامة الشعر. أوصى بألاّ يعيش حياة اصطناعية في سرير. الموت السريري أكثر مهانة على الشاعر من الموت الشعري. كَم نازل الموت! كما في كل أبهته ينازل "الماتادور" ثوراً. في كل مرة كان يعود إلينا من الموت بأُذن الثور، برهاناً على معركة عاد منها منتصراً, فيهدي أذن الثور إلى حبيبته القصيدة. كلّما نجا محمود درويش من "سرير الغريبة" وبُعث حياً، ازدهرالشعر بعودته, وازداد منسوب الجمال في العالم. كم من مرة وُلد هذا الشاعر, مقابل موتٍ واحد؟ موتا ً واحداً.. لا.. لقد مات عنَّا جميعاً.. بعدد محبيه. هوالقائل: "لا تعتذر عما فعلت" عليه الآن أن يعتذر لنا واحداً واحداً عن يُتمنا بعده. محمود.." لماذا تركت الحصان وحيداً؟". محمود.. أيها الغالي، كم رخُصت الأشياء بعدك!. الكاتبة : أحلام مستغانمي