٭ هل كان محمود درويش، واحداً من خريجي مدرسة الخدمة الوطنية السودانية أم أن الخدمة الوطنية السودانية أخذت من ينابيع درويش، وقطفت من ثماره الجميلة، فيما تقدمه من دروس وعبر لمنسوبيها؟ ٭ اهتمام الخدمة الوطنية، الأصيل والعميق والزائد، ب (الشجرة)، واهتمام درويش.. صنوان. ٭ كلاهما يضع الشجرة في حدقة العين، ويرخي عليها الرمش، ويسهر.. ٭ وكلاهما معنى بالشجرة جمالاً، ومنفعة، ظلاً وثمرة، وكلاهما تعلم من الشجرة كيف تدوم الخضرة في الفصول الأربعة، في محاصرة الزمهرير، وفي تأفف الحر، وفي غضب الريح. ٭ قال الشاعر محمود درويش: الشجر يحمل مجدين: مجد الجمال ومجد المنفعة، وإذا كان هناك أحياناً فرق بين الشيء الجميل والشيء النافع، فإن الشجر قد حل المسألة بأروع برهان. ٭ وها هي الخدمة الوطنية، تعني بزرع الأشجار المثمرة، والأشجار الظليلة والأشجار ذات النفع والجمال معاً. ٭ عند درويش: الشجر لا يغادر وطنه، وهذا سر قوته، وعند الخدمة الوطنية: غرس شجرة، نوط جدارة وبراءة خدمة، وتعبير عن ارتباط المجند بتربته وتاريخه وجذوره. ٭ يقول درويش: فلنأخذ من الشجرة الحكمة، ولنتعلم درساً في (حب الوطن)، إذا فكر الشجر بالهجرة من أرضه مات، لكنه لا يفعلها، لأنه لا يريد أن يموت قبل الأوان. ٭ ومجندو الخدمة الوطنية، الذين غرسوا أشجاراً، ارتبطوا بها، صارت جزءاً منهم، وصاروا جزءاً منها، يواصلون رعايتها وريها، بعد انتهاء مدتهم، لم تفارقهم ولم يفارقوها. ٭ يقول درويش: الشجر يتحرك إلى الأعماق وإلى الأعالي، وأشجار الخدمة الوطنية تسافر جذورها إلى باطن الأرض، وترفرف أوراقها في السماء، (ليست كأشجار غيرها).. جمالاً وجلالاً. ٭ سمى درويش كفاح الشجرة من أجل البقاء (كفاح المتواصل): الشجر يقاوم صلابة الصخر، بصبر وأناءة وحيلة، يأتي الصخرة من نقطة ضعفها، حتى يستقر رأسه في موضع، ثم يعمل فيها ضرباته حتى تتفتت وتصير إلى تراب يمتص منها غذاءه.. ٭ وأشجار الخدمة الوطنية تقاوم انقطاع المياه بصبر، ونقص الغذاء بجلد، وتقاوم ريح الصيف وزمهرير الشتاء بحيلة. ٭ وشجر درويش والخدمة الوطنية، كلاهما (صامد)، مهما انهالت عليه الفؤوس، وحاولت أن تقطع منه ذراعاً أو إصبعاً أو أنفاً، أو تجذ شعره كله.. لا ينهزم، ويعرف كيف يضمد جراحه، ويبنى خلايا جديدة، ويطلق أغصاناً وفروعاً جديدة. ٭ ومهما تعرض لمحاولات الاقتلاع، لا يُقتلع الا مرغماً، يقاوم ويقاوم ويقاوم حتى النفس الأخير، عندما لا تصبح المقاومة إلا تعبيراً عن تفضيل الاستشهاد عما عداه. ٭ قال درويش: أنا مولع بالشجر إلى درجة الغيرة.. وأن أقسى تعذيب للسجين أن يوضع في سجن لا يرى من ثقوبه شجرة. ٭ وها هي أحلام مستغانمي تسير على خطى درويش والخدمة الوطنية.. قالت مستغانمي: ازرع شجرة ترد لك الجميل، تطعمك من ثمارها، وتملأك سبعة ليترات أوكسجين، تظلك وتجًّمل حياتك بخضارها، وتدعو أغصانها العصافير ليزقزقوا في حديقتك.. ٭ ما أجمل الأشجار وهي تغني، ما أجمل درويش، وما أجمل الخدمة الوطنية، وما أجمل مستغانمي.