لثنائي العاصمة أغنية خفيفة، ولعل جل أغنياتهم كذلك، يقول أحد مقاطعها (الحرير زيو وأنعما، والحسود عينو بالعمى، يا نسايم الليل). وقبل أن تهب نسمات ليل القضارف المنعشة، احتشد مشفاها (شفاه الله) من حالته البائسة والمزرية، بالعشرات من الأطفال والطلاب والشيوخ وهم في حالة أشبه بالموت الجماعي، ولولا (لطف الله) لضاقت مقابر المدينة عن سعتها بالموتى، ولانفلت زمام الأمر (والأمن). تعود تفاصيل المأساة التي حدثت في ولاية القضارف التي تُعد أكثر ولايات السودان (فوضوية) بحسب تقديري الشخصي، إلى توزيع وزارة الصحة هناك عقاراً طبياً وقائياً من مرض الرمد الحبيبي (تراكوما) وهو عبارة عن التهاب مزمن للغشاء المخاطي الذي يغطي مقلة العين ويسبب حرقان في العين كما تنتج عنه إفرازات صديدية وانتفاخ في جفون العين والتصاقها ببعض، وهو مرض سريع العدوى وقد يؤدي إلى كف البصر عاجلاً أو آجلاً. هذا العقار الوقائي أدى إلى نقل (149) شخصاً ممن تناولوه (جلهم أطفال) إلى الإصابة بحالات مغص حادة نقلوا إثرها إلى المستشفى البائس لتلقي العلاج، بينما أحاطت أسرهم به إحاطة سوار بمعصم ما استدعي استحضار الشرطة تحسباً لردود أفعال عنيفة منهم. على كلٍّ، اضطرت وزارة الصحة إلى إيقاف الحملة منذ يومها الأول بعد أن كان مقرراً استمرارها لثلاثة أيام، على أن تستأنفها بعد انتهاء التحقيق حول هذا العقار الوقائي، (أو الوبائي) في واقع الأمر. تعرفون أيها السادة، ماذا سيحدث؟ لن يفضي التحقيق إلى شيء، أروني تحقيقاً واحداً أُجري في السنوات الأخيرة وتوصل إلى نتائج حاسمة وواضحة! لكن دعوا عنكم ذلك، هل تعرفون أن 10 بالمائة من سكان الولاية مصابون بهذا المرض الخطير والمعدي الذي يؤدي إلى العمى؟ هل تعرفون أن أهم سبل الوقاية منه ليس هذا العقار الذي كاد أن يزهق الأوراح بدلاً من أن يقي الأنفس؟ وإنما النظافة الشخصية والمنزلية وإصحاح البيئة والتخلص من الفضلات والقضاء على الذباب. ثم بعد ذلك تأتي العقارات الوقائية التي لا تستخدم إلا بعد التأكد من صلاحيتها وفعاليتها وإجراء بعض التجارب في هذا الخصوص. ولكنها (وزارة صحة وفي ولاية القضارف)، فماذا متوقع منها أن تفعل؟ دعكم عن كل هذا، وتعالوا إلى أمر أكثر خطورة، لماذا أخفت وزارة الصحة عن الإعلام والمواطنين عن أن نسبة (10%) من سكان ولاية القضارف مصابون بالتراكوما شديد العدوي سريه الانتشار؟ لماذا أخفت المعلومة المهمة والحيوية حتى (فضحها) الله سبحانه وتعالى بأن جعل في (وقايتها وباءً)، فكادت أن تزهق الأوراح عوضاً عن حمايتها؟! أكثر من ذلك، هل يظن وزير صحة القضارف، أنه حين يستأنف حملته الوقائية مرة أخرى سيُستجاب لها؟ إذا كان يظن ذلك فعليه أن يستمع إلى ثنائي العاصمة مع تأويل النص قليلاً بحسب يصبح الحسود (وزيراً). الحصة الأولى - صحيفة اليوم التالي