الطرفة القديمة على أيام أن كان يسود العالم ويسوسه قطبان تتمحور حولهما بقية دول الكون،تقول أن برقية عاجلة وصلت الى رئاسة الاتحاد السوفيتي (الذي كان عظيما) من رئاسة دولة من الدول التي كانت تدور في فلك موسكو وتعتمد عليها في كل شئ، والبرقية تقول ( نحن في أزمة..قف..ابعثوا لنا قمح بأعجل ما تيسر)، ردت موسكو ( القمح غير متوفر لدينا حاليا..قف..شدوا الأحزمة لحين توفيره لكم)،فبعثت هذه الدولة التعيسة برد عاجل على رد موسكو فحواه (اذن ابعثوا لنا الأحزمة)... الشاهد في هذه الطرفة أن الأوضاع المالية والاقتصادية التي تكابدها بلادنا وما خلفته من أزمة طاحنة تكاد تخنقها،ليست بأحسن حالا من حال تلك الدولة التعيسة،بل ربما كانت تلك الدولة أفضل حالا منا لجهة أن لها حليفا تستنجد به فيهب لنجدتها،فحين يعز المنقذ والحليف (العليهو القيمة) فلا حل سوى شد الأحزمة على البطون،ونخشى أن يكون ذلك هو المصير الذي سيؤول اليه حال الشعب السوداني الذي يبدو أن ليس أمامه من حل في المدى المنظور على الأقل،غير أن (يزرد) بطونه بالأحزمة لحين ميسرة وانفراجة يلطف بها اللطيف على عباده السودانيين، وللمعلومية (الزرد) ليس له علاقة باللقب السوداني المعروف (أب زرد) الذي يناقضه تماما، وانما المعني به أقصى واخر درجات شد الحزام وليس بعده الا الخنق،فالحقيقة الماثلة هي أن الشعب السوداني ظل منذ زمن ليس بالقصير في حالة تمنطق دائم بالحزام وشد مستمر، ينتقل من خرم الى اخر،كلما ضاقت ضاق عليه الحزام، وكلما ألقي على كاهله عبء جديد أحنى ظهره و(سردبه) لينؤ بحمله حتى أوشكت الجباه أن تبلغ الركب،ألم يقل الشاعر الشعبي عن مواطنه السوداني(والحمل التقيل فوق ضهرو سردب وشالو)...أنا لا أبالغ سادتي ولا أنقل لكم صورة سوداوية رسمها خيال مريض أو متربص،وانما هي تحذيرات وتنبيهات أطلقها العديد من الخبراء الاقتصاديين والماليين منها المنشور ومنها الملفوظ، بل هي قبل ذلك وقائع وحقائق يوميات معاشة على أرض الواقع،وكلها ترهص بأن القادم ربما كان أسوأ عطفا على انذاراته التي تقول على طريقة فضائية روتانا (انتو لسه شفتو حاجة)،فكل الشواهد تشير الى أنه ليس هناك مناص من الاستمرار في سياسة(رفع الدعم) و(رفع نسبة الرسوم والجبايات) ولو بطريقة خفية بحسب جمعية حماية المستهلك،وعلى ذلك قس بقية (الارتفاعات) التي ستشمل بالضرورة كل السلع والمواد والخدمات بما فيها الخبز، الذي قالت عنه بعض الصحف أن سعره ارتفع فعليا،وعليه لن تكون فاتورة المياه ولا الكهرباء ولا ولا هملجرا من السلع والخدمات بعيدة عن متناول يد(الرفع) بل سيضحى أي شئ قابل ل(الرفع)، وسيصبح شعار المرحلة(ارفع) على طريقة تدوير السيارة المعطوبة عن طريق (الدفرة)، لدرجة قد تصعد بالأزمة الى مستوى (الكتمة) وعندها ستصدق نبؤة غندور(الشعب السوداني اذا غضب فان غضبته لا تحدها حدود)وساعتها لات ساعة مندم،وهكذا كما ترون تستحق الحكومة عن جدارة اسم (عبد الرافع) من كثرة ما تمارسه من (رفع)،وبالمقابل ومن كثرة ما يدفع المواطن لمواكبة هذا الرفع فلا مسمى له غير (عبد الدافع)،وخطورة ذلك على الحكومة اذا ما استمر المواطنون في حالة دفع دائم ربما انتهى بهم الحال الى دفعها هي نفسها خارج التاريخ... بشفافية - صحيفة التغيير حيدر المكاشفي