منذ ابتدارها في العام 1901م، وإلى أول أمس 9 أكتوبر من العام 2014م، حصل مائة وأحد عشر روائياً على جائزة نوبل للآداب. هذه المرة استندت لجنة نوبل الأكاديمية على حيثية فلسفية عميقة وهي تعلن فوز الروائي الفرنسي "باتريك موديانو" (69 سنة) بالجائزة، إذ قالت إنه استحقها (بسبب تمكنه من فن الذاكرة الذي أنتج أعمالا تعالج المصائر البشرية العصية على الفهم، وكشف العوالم الخفية للاحتلال)، وإن رواياته تتكرر فيها مواضيع الهوية والفقدان والأمل. شخصياً – ولأن الخرطوم لا تقرأ أبداً - لم أقرأ غير رواية واحدة لموديانو بعنوان (الأفق)، وترجمة (توفيق سخان)، رغم أنني قرأت أن الكثير منها مترجمة إلى العربية ومتوفرة في القاهرة وبيروت. على كلٍ نحن غير محظوظين إذ غالباً ما ننتظر إعلان لجنة نوبل عن فوز أحدهم ثم نلح في طلب رواياته من الأصدقاء (خارج السودان)، ففي السنة الماضية وعندما أعلن عن فوز الكاتبة الكندية "أليس مونرو" بالجائزة، قمت باستطلاع عشوائي وسط مثقفين وكتاب (كبار) بمعاييرنا، حوالي (17) شخصا، وسألتهم عما إذا كانوا قرأوا لها، أو حتى سمعوا بها، فكانت النتيجة مأساة كبيرة. دعونا من كل ذلك، ولنعد إلى السيد " موديانو" وإلى حيثية لجنة نوبل المُدهشة التي نال بموجبها (1.1) مليون دولار (قيمة الجائزة)، وهي أنه (تمكن من فن الذاكرة فأنتج أعمالاً تعالج المصائر البشرية العصية على الفهم، وكشف العوالم الخفية للاحتلال). يا الله، ف(موديانو) في روايته (الأفق) عالج توترات الحب المستحيل والضياع والقلق في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، وكأن باريس حينها كانت آذانا صماء وروحاً مظلمة، وكأن موديانو كان لا يكتُب شيئاً، فقد كان يترك الذاكرة تنتج صورها وحياتها وسيرتها وأحداثها، بينما السارد (موديانو) يبدو وكأنه منخرط في حالة صمت إزاء تلك الأحداث كلها. وهذا ما ينسجم مع شخصيته في الواقع، فالرجل بحسب ما تواتر عنه يعيش شبه عزلة عن الوسط الأدبي وحفلاته ومناسباته الاجتماعية والمهنية الكثيرة، رغم أنه نشرت له أكثر من ثلاثين رواية، عرف منها القارئ بالعربية (مجهولات) التي ترجمتها اللبنانية (رنا حايك)، و(مقهى الشباب الضائع) ترجمة المغربي (محمد المزديوي) ثم (شارع الحوانيت المعتمة) ترجمة المصري (عبد المنعم جلال) و(الأفق) من ترجمة (توفيق سخان). يقول الناقد (إسكندر حبش): "من رواية إلى أخرى، لم يتوقف موديانو عن أن يبدو كما لو أنه أصبح معلما من معلمي فن السقوط، دون أن يُغرقنا، نحن القراء، في حلم يقظة، كئيب"، ويعبر موديانو عن ذلك بقوله: "في هذا المساء بالذات، شعرت بأنني شخص خفيف، للمرة الأولى في حياتي. هذا التهديد الذي كان يلقي ثقله عليّ خلال كل هذه السنين، كان يجبرني، وبدون توقف، على أن أبقى متيقظا على الدوام. لقد تناثر في هواء باريس. أبحرت قبل أن ينهار الزورق. لقد حان وقت ذلك". عبد الجليل سليمان الحصة الأولى - صحيفة اليوم التالي