باديء ذي بدء وعلى خلفية الحكم القضائي الصادر باعدام ضابط الشرطة المتهم بقتل المواطنة عوضية عجبنا جبريل، لابد لنا أولا أن نترحم على روح المواطنة عوضية التي راحت مبكيا عليها في الاحداث المؤسفة التي شهدها حي الديم، في أعقاب الاحتكاك الذي وقع بين جمهرة من سكان الحي ودورية من شرطة (أمن المجتمع) قبل حوالي العامين ونصف العام، ما أدى في النهاية الى وقوع هذه الكارثة المفجعة وضياع تلك النفس العزيزة.. وأذكر أنني وقتها وفي حمأة الحادث الذي وجد تفاعلات وانفعالات غاضبة كثيفة ومستحقة قفزت بهذه القضية الى مصاف قضايا الرأي العام، كتبت وعبر أكثر من (عمود صحفي) بالغراء (الصحافة) مستنكرا بأقسى العبارات تصرف الشرطة وسؤ تقديرها الذي أفضى الى تلك الخاتمة الكارثية، التي ما كان لها أن تقع لو أن تلك الدورية إنسحبت تماماً ولم تفكر في العودة الى موقع الحدث في ذات الليلة بعد أن لمست إنفعالات المواطنين وغضبهم على تصرفها حتى ولو كان صحيحاً وقانونياً، وما حدث لم يكن فجيعة تخص أسرة عوضية وحدها ولا أهلنا النوبة وحدهم بل كانت فجيعة كل السودانيين بمختلف قبائلهم وأطيافهم الاجتماعية، ويشهد على ذلك سيل الكتابات التي تناولت هذه القضية في مختلف وسائل ووسائط النشر، ولم تقف تلك الكتابات عند حد المطالبة بمحاكمة عادلة تضع حدا لتفلتات الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة العزل، بل وطالبت أيضا بوقفة جادة لمراجعة أداء شرطة (أمن المجتمع) التي صارت خصماً على المجتمع بتدخلاتها المتوترة وتقديراتها الفطيرة التي تثير المشاكل وتجلب السخط على الحكومة محلياً وعالمياً اكثر من أن تقدم أية حلول واقعية ومنطقية للدرجة التي اصبح معها ذهابها أنفع وأجدى للحكومة قبل الاخرين من بقائها... الان وبعد صدور الحكم باعدام الضابط المتهم،تدخل هذه القضية نفقا حساسا وحرجا يحتاج الى تعاطي متزن وحكيم وعقلاني يزن الأمور بميزان دقيق للغاية من الطرفين،طرف أسرة الفقيدة عوضية وأهلها وطرف الشرطة ،وهذه العقلانية والحكمة والاتزان تقتضي برأينا المتواضع أن لا تصر أسرة الفقيدة على القصاص وتنفيذ الحكم وأن لا تمضي الشرطة بالقضية في المسار القضائي عبر درجات الاستئناف المختلفة،وأن تكتفي الأسرة بالجانب المعنوي في الحكم باعتبار أنه أعاد لها اعتبارها وكرامتها من جهة، ومن جهة أخرى حتى لا يتسبب انفاذ الحكم في شرخ نفسي لجهاز حساس مثل الشرطة،وأعني هنا الشرطة كمؤسسة مهنية محترفة لا غنى لأي مجتمع من خدماتها، فالانظمة الحاكمة الى زوال مهما طال بقاؤها، بينما الشرطة باقية مهما اعتراها من طارئات ، وأظن بل المؤكد أن في أسرة الفقيدة وأهلها كثيرون من منتسبي الأجهزة النظامية والشرطة تحديدا يحضرني منهم اللواء ابراهيم نايل ايدام يدركون ما أعني،فالحكم قد أقر حقيقة أن الشرطة عبر دوريتها وقائدها الملازم قد أخطأت خطأ قاتلا وعليها الاعتراف بذلك،ومن هنا يأتي دور العقلاء والحكماء في الجانبين للجلوس معا في مجلس (جودية) والجودية ارث سوداني متوارث استلهمه الاخرون بل ويدرس في الجامعات البريطانية فيما أعلم،للخروج بصيغة عفو واصلاح ترضي ذوي القتيلة ولا تنتقص من هيبة مطلوبة في الشرطة،و (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين) صدق الله العظيم... بشفافية - صحيفة التغيير حيدر المكاشفي