القصص المؤلمة والمحزنة والمفجعة التي كان ومازال الفقر وتدني مستوى الدخول والأجور سبباً رئيساً فيها، في مقابل الطفرات المتصاعدة للغلاء والصعود المستمر للأسعار وتكلفة الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وخلافه، وما رافق ذلك من خلخلة إجتماعية وزلزلة معيشية أوشكت أن تكون تسونامي يطيح بكل قيم المجتمع السوداني المتوارثة جيلاً عن جيل، ووقوف الدولة عاجزة عن فعل شيء ذي بال لمجابهة هذا الخطر الداهم والماحق، لأنها ببساطة ظلت بسياساتها الاقتصادية وغير الاقتصادية جزءاً من المشكلة ولم تكن ولن تكون يوما جزءاً من الحل، ما لم تعدل وتغير في هذه السياسات جملة، لا شك أن مثل هذه القصص والمآسي كثيرة بعدد الفقراء والمعوزين والمعسرين وذوي الدخل المحدود والحيل المهدود، والذين لو قلنا فقط أن أساتذة الجامعات والأطباء قد دخلوا في عدادهم لكفانا ذلك دليلاً على مدى استشراء الفقر والعوز وتمكنه من مفاصل المجتمع، وقد قالها من قبل البروف عبد الله الطيب طيب الله ثراه قبيل وفاته بقليل، عندما أطلق مقولته الشهيرة عن أن تدهور أحوال وأوضاع أساتذة الجامعات وضعهم في دائرة من يستحقون الزكاة، وليس من دلالة أبلغ على الفقر والمسكنة والمسغبة من استحقاق الزكاة، ولا شك أيضاً أنه ما من مواطن أو مواطنة من أهل السودان إلا ويعرف معرفة شخصية أكثر من قصة ومأساة، هذا إن لم يكن هو شخصياً صاحب قصة يتداولها الآخرون بكل حزن وأسف... بالأمس وفي معرض تعليقه على مأساة الفتاة سارقة الفرخة التي أثارها الزميل الفاتح جبرا ،أهاج حزني الزميل الكبير الفاتح محمد الأمين باشارته لتلك الحادثة المحزنة التي كنت قد تناولتها قبل أكثر من ثلاثة أعوام،وكانت لطالبة جامعية تدرس بإحدى الجامعات الكائنة بولاية الخرطوم. هذه الطالبة اعتادت على الخروج يومياً من الداخلية حيث تقيم في توقيت معين، تغيب لساعة أو نحوها ثم تعود، وظلت تكرر هذه العادة لمدة طويلة، في نفس زمن الخروج ونفس زمن العودة تقريباً، ثم لا تخرج أبداً إلا إلى الجامعة وهكذا دواليك، لفتت هذه الممارسة اليومية الرتيبة والراتبة نظر أحد الحراس فشك في أمرها واشتكى للمشرفة، وظن بها الاثنان سوءاً، واستقر الأمر على وضع خطة لمتابعتها وكشف «مخططها الآثم» بتشكيل فريق متابعة سري ليضبطها متلبسة بالجرم المشهود والعودة ب«انتصار» يحسب لصالح الإشراف والحراسة، ويسجل في ميزان حسناتهما وإنجازاتهما ولتذهب الطالبة المسكينة بجريمتها وفضيحتها غير مأسوف عليها، ولكن كانت المفاجأة المذهلة والصاعقة في انتظار فريق التجسس والتحسس الذي انتهت به المتابعة والمطاردة المثيرة إلى «كوشة كبيرة» بدلاً من فيلا فخمة أو شقة فاخرة كما كانوا يوسوسون، لقد وجدوا هذه الطالبة المسكينة وهي تنبش في إحدى الكوش وتجمع منها بقايا الطعام وتأكل حتى أخذت كفايتها من الفتات والفضلات، وكرّت عائدة إلى الداخلية. كان ذلك هو سبب رحلتها اليومية المعتادة، وقد أخذ المعنيون بالامر علماً بهذه الفجيعة، وأثق أنهم تفاعلوا معها وبذلوا ما وسعهم الجهد لحل مشكلة هذه الطالبة، ولكن هل يكفي هذا، أن نتعاطى مع هذه القضية الشاملة بالقطعة والحلول الفردية التي لن تغني عن الحل الأمثل والأشمل شيئا؟، وهو حل لن يقدر عليه حزب واحد ولا جماعة واحدة مهما كانوا ومهما أوتوا من سطوة وثروة،ولكن للأسف بدلا من أن تترى الجهود وتتكاثر المبادرات الرسمية وغير الرسمية وتتكاثف وتتكاتف لمحاربة الفقر والجوع اذا به يتمكن ويتمدد..وكان الله في عون الجوعى والفقراء... بشفافية - صحيفة التغيير حيدر المكاشفي