* تقف أمام الكاميرا حاملة الريشة لترسم بالأضواء الشخصية التي ترغب في تجسيدها، بينما تمسك بالكاميرا لتنقل تفاصيل ما تود تجسيده على (ستاندر) لوحة (البورتريه) الذي جلست لرسمه، فالممثلة المصرية والفنانة التشكيلية معالي زايد التي انسلت عن دنيانا مساء أمس بمستشفى المعادي العسكري عقب معاناة مع مرض السرطان الذي اكتشفته متأخراً بعد أن تمكن منها، تعتبر أفضل من يرسم الشخصيات في دنيا الدراما وعوالم الفن السابع، وأميز من يجسد التفاصيل الدقيقة بإحساس عال وموهبة استثنائية عندما تمنح وقتها للأعمال التشكيلية . * طالما أن (حكاوي البلاتوه، وتفاصيل المشاهد ووجوه الممثلين المألوفة) شجرة مزروعة بالمنزل الذي تفتحت براعم وعيها فيه، فكان من الطبيعي أن تدرس معالي الفنون وتحترف التمثيل وتلتحق بكلية التربية الفنية والمعهد العالي للسينما، فهي ابنة الممثلة آمال زايد وخالتها الممثلة جمالات زايد، لذا لم تكن بدايتها الفنية الباكرة أمراً غريباً، فإن أغمضت إغماضتها الأخيرة أمس عن عمر يناهز 61 عاماً، فإن أكثر من نصف عمرها و- تحديداً 38 عاماً - قضتها في العمل الفني بكل همة وتميز ونشاط، وإن فضلت في السنوات الأخيرة الانزواء وضربت على نفسها شيئاً من العزلة بعد أن لفها الإحباط!! * يتطلب مشوار معالي زايد وفق قراءتي الخاصة بعض الوقفات قد يختلف الناس ما بين السلب والإيجاب في تقييمها ولكن لا بد من تدوينها : أولاً: كانت في (زمن التمدد) تتعامل ببساطة مطلقة، وتعطي الأولوية ل(الشخصية) بعيداً عن (حجم الدور)، وهوس (البطولة المطلقة) الذي كان يسيطر على بنات جيلها دون أن تجيد اللعب بورقة (الضغط على المخرجين)، والمشي في طريق (صلف النجمات) اللائي يفرضن شروطهن على المنتجين، لذا فإن وجودها من حيث (المساحة) و(عدد الأعمال) لم يكن كبيراً في وقت كانت شاشة السينما تتحكم فيها رفيقاتها ك(يسرا، نبيلة عبيد، ليلى علوي، إلهام شاهين وحتى هالة صدقي). ثانياً: كانت معالي (قريبة) من عملها حد الانغماس، و(بعيدة) عن الإعلام لدرجة الإحساس بالمقاطعة غير المعلنة.. حواراتها الصحافية لم تكن كثيرة، وإطلالاتها التلفزيونية شحيحة، وعندما سيطر سينمائياً جيل (منى زكي ومنة شلبي وياسمين عبد العزيز وهند صبري) وغابت عن المشهد الفني لم تسع لتعويض ذلك الغياب بتقديم برنامج فضائي كما تفعل كثير من الممثلات والفنانات . ثالثاً: طبيعة شخصيتها لها أثر في شبه حالة الانزواء التي عاشتها في السنوات العشر الأخيرة وتعايشت معها برضى تام، ولا زلت أذكر زهدها في الحديث عندما هاتفتها بالقاهرة شتاء عام 2006م وكنت بصدد إجراء حوار صحافي معها.. كانت ترد على مكالماتي بلطف وتعتذر باستمرار لوجودها الدائم في مزرعتها بطريق القاهرةالإسكندرية الصحراوي. حيث كانت وقتها (شبه مقيمة) هناك، وبعد أن لمست عندي حماساً كبيراً ورغبة عالية في استنطاقها التقينا ولاحظت وقتها أنها كانت كثيراً ما تسأل بدلاً من أن تجيب، وغالباً ما تستمع أكثر مما تتحدث، ترسل بصرها بعيداً عبر نظرات فاحصة لا تخلو من تأمل وكأنما منحت لسانها إجازة ممتدة وعينت عينيها ناطقاً رسمياً باسمها.. لم أشعر بأنها مهتمة لما يدور حولها وكأنما لوحات إعلانات الأفلام بشوارع القاهرة تم تعليقها للفت نظر سكان مدينة هي لا تعيش بينهم، ومقاطع الترويج للأعمال السينمائية الجديدة بالقنوات الفضائية تسعى لخطف انتباهة قوم هي ليست واحدة منهم! * منذ أن شارفت على الخمسين من العمر - أي قبل حوالي أكثر من عشرة أعوام - فضلت معالي زايد (الهدوء) على (الضجيج)، و(التأمل) على (الكلام)، و(الجلوس مع نفسها) على (اللهث وراء الظهور)، و(الانزواء) على (الأضواء) .!! * رحلت بذات (الهدوء) الذي اختارته لخواتيم حياتها رغم (الضجة) التي أثارتها في أيام شبابها عندما شاركت في (عيلة الدوغري، الليلة، ودموع في عيون وقحة).!! * نسأل الله الرحمة والمغفرة للفنانة معالي زايد.. (إنا لله وإنا إليه راجعون) . نفس أخير: * وبدأ تساقط جيل الوسط!! ضد التيار - صحيفة اليوم التالي