*و مفردة (السكات) التي في عنواننا أعلاه هي اسم بطلة كلمتنا اليوم .. *وقد ينظر إليها البعض - الكلمة - على أنها ضربٌ من(الكلام الساكت ) .. *وقد ينظر إليها البعض الآخر من زاوية (إن في الصمت كلاما) .. *فمما كان مقرراً علينا من مواد خلال دراستنا الفلسفية مادة اسمها فلسفة (القيم).. *وكنت اعتبرها محض كلام (ساكت) لا معنى له .. *فقد كنت مولعاً آنذاك بقيمٍ مستمدة من (فقه الماديات البحتة).. *وحين أزِف أوان امتحان التخرّج انتبهت إلى أنّ الكلام (الساكت) هذا لابد أن أنجح فيه كيما أحصل على الشهادة.. *وطفقت - كما حاطب الليل - أطوف مساءً على فلسفات الفلاسفة بحثاً عن كل ما له صلة بالقيم.. *شيء من برجسون، وشيء من هوسرل، وشيء من سارتر، وشيء من بيكون و( شيء لله يا زملاء).. *وسكبت عصير (سمك لبن تمر هندي) هذا على ورقة الإجابة.. *وكانت المفاجأة أن حصلت على تقدير جيد جداً.. *وأستاذ المادة هذه نفسها التي هي في نظري كلام ساكت له قصة هو الآخر مع عبارة (كلام ساكت).. *فقد أبدى تحفّظاً (فلسفياً) يوماً على المصطلح السودانوي هذا وقال إنّ الكلام والسكوت لا يجتمعان.. *وخضنا معه بدورنا جدلاً فلسفياً لإقناعه بأنّ الكلام يكون ساكتاً حين لا يشي بتمظهر (فصيح!) على أرض الواقع.. *وضربنا له مثلاً على ذلك بعبارة أنظمتنا الشهيرة (نحتفظ بحق الرد) بحسبانها محض (كلام ساكت) .. *وامراة من ( مساكناتنا) - في زمان مضى - كان اسمها (السُكات) .. * ورغم دلالة اسمها هذا فإن السكات ما كانت ( تسكت) أبداً .. *كانت (ترغي) منذ (صباح الرحمن) وحتى لحظة هجوع البلدة ؛ بأناسها ودوابها وطيرها ونسائم ليلها .. *وحين تُزجر كيما تسكت كانت تغمغم بعبارة حفظناها عن ظهر قلب ( والله كلامي ده أحسن من كلامكم الساكت ) .. *فقد كانت ترى في كلام الآخرين ما يراه الآخرون هؤلاء في كلامها هي نفسها .. *وفي يوم فاض فيه الكيل بآل البيت صدر قرار بأن تسكت السكات (خالص) .. *قيل لها إما أن تسكتي ، وإما أن .......... *واختارت شرط ال(إما أن .....) الثاني هذا رغم (كارثيته) .. *وبعد سنوات عدة- وقد صرنا كباراً - أدركنا ما كان أشكل علينا فهمه ونحن في مرحلة الصبا الغض تلك.. *فالسكات حُرمت حتى من (كلامها الساكت) الذي كان يُعينها على تحمل قسوة الواقع ورهقه ومرارته .. *حُرمت حتى من ( الحق) هذا الذي يشابه (حق) عمال البناء في الترنُم ولو ب(كلام ساكت) خلال عملهم المُرهق .. *فلم يبق أمامها - إذن - سوى أن ( تتمرد!) ... *وقد فعلت ....... *فمتى نفعل نحن ونكف عن (الكلام الساكت)؟! بالمنطق - صلاح الدين عووضة صحيفة الصيحة