قبل أيام تحسب على أصابع اليد الواحدة من شهر رمضان العام الماضي هطلت أمطار غزيرة في الخرطوم وكبحت جماح درجات الحرارية العالية التي ارتفعت ورفعت معها مخاوف المواطنين من استمرار (سخونة) الأجواء خلال أيام رمضان المعظم، والتحول الكبير في أحوال الطقس اعتبره سكان الخرطوم رحمة من رب العالمين ولطفاً منه بعباده الصائمين، بينما استمرت الامطار ولم تتوقف خلال الشهر الكريم إلا لماما وأسهم ذلك في تلطيف الأجواء إلى أن لملم الشهر الكريم أيامه وغادر سريعاً وحظي الجميع بصوم يسير لكن الأمطار كانت لها تأثيرات في جوانب أخرى ومن أهمها العادات الاجتماعية المرتبطة بشهر رمضان وهي كثيرة معظمها تعكس وتجسد الكثير من السمات الأصيلة في الشخصية السودانية. مظهر مهم: ومن أبرز هذه العادات (إفطار الشارع) الذي اختفى في الكثير من الأحياء من الشوارع والأزقة فغاب مظهر مهم من مظاهر ساعات مغرب الشمس في رمضان واختفى عادة ذات دلالات وأبعاد عميقة فشعر الكثيرون خاصة في الأحياء الشعبية بأن هناك شيئاً مفقودا، وكما هو الحال مع عمنا أحمد عبدالله الذي قال إنه في الحي الذي يسكن فيه (جبرة) منذ أكثر من عقد من زمان درج هو جيرانه على تناول الافطار معاً في الشارع العام ليس فقط لأن ذلك عادة سودانية بل لأن هناك (بتاع دكان ومكوجي وعزابة) يشاركونهم السكن في الحي فضلاً عن المارة الذين تدركهم ساعة الإفطار قبل أن يصلوا إلى وجهاتهم. لمة إفطار يصمت أحمد قليلا ثم يضيف: "العام الماضي والذي قبله كما تعلمون صمنا في الخريف الذي حولت أمطاره الموقع الذي كنا نستغله مكان للإفطار إلى بركة مياه راكدة فحولنا الموقع إلى مسطبة أحد بيوت الحي التي كانت تستضيفنا في الأيام التي لا تهطل فيها الأمطار قبيل أو أثناء المغرب"، ويقول أحمد إنه يتوقع أن يشهد شهر رمضان هذا العام أمطاراً غزيرة لأنه توغل أكثر في اتجاه عمق الخريف وهذا يعني أننا سنفتقد (لمة) الافطار وجلسات ما بعد وقبل المغرب التي يتيحها رمضان دون سواه من المناسبات". تغييرات اجتماعية: في حي عم أحمد طرأت تغييرات قضت برحيل (المكوجي) والتحول الذي حدث في الحالة الاجتماعية ل(بتاع) الدكان الذي تحول من عزابي إلى متزوج مقيم مع أسرته وهذه التغيرات مع ندرة المارة الذين (يفطرون) مع عم أحمد ومجموعته ربما يجعلهم يتوقفون عن عادة (إفطار الشارع) إذا ما هطلت الأمطار وأغرقت الشوارع مثلما كان عليه الوضع في العامين الماضيين. تلاقٍ وتكافل وفي الكلاكلة بطبيعة الحال الصورة لا تختلف كثيراً وتسببت الامطار في معظم أيام الشهر في أن يحجم الكثيرون عن العادة الحميدة كما يقول مختار محمد صالح الذي جاء حديثه في الكثير من الجزئيات مطابقا لما قاله عم أحمد لكنه أضاف أن قاطني البيوت القريبة من الزوايا والمساجد كانوا يتناولون إفطارهم فيها بالرغم من أن ذلك لا يختلف كثيراً عن الافطار في المنزل لأنه لا يتيح لهم رؤية المارين بالشارع أثناء لحظات المغرب ودعوتهم للإفطار لكن مختار يقر بأنه يتيح لهؤلاء التلاقي والتكافل والصلاة في جماعة. طقس معتدل ويضيف مختار: "أنا حقيقة افتقدت في العام الماضي طقوس ما قبل المغرب وتجهيزات مكان الافطار ولحظات تناوله ومداعباتها والتنقل ما بين (الصواني) والجلسة الدافئة على (المفارش) في الفترة ما بين صلاة المغرب والعشاء وكثيرون بالتأكيد يتوقون لكل ذلك لكن بصراحة أتمنى أن تهطل الأمطار في رمضان لأن ذلك يعني أننا سننعم بطقس معتدل وهذا ما يتمناه الجميع لكن الأفضل هو أن تكون معدلات الأمطار في مستوياتها الدنيا بحيث لا تغمر المياه الشوارع والساحات، إن تحقق ذلك فسنستمتع بأجواء معتدلة ورمضان مكتمل الطقوس. مفاضلة صعبة والمفاضلة تبدو صعبة بين اعتدال الطقس في الخرطوم التي عرفت كمدينة تلامس فيها درجات الحرارة مستوى الغليان في مثل هذا التوقيت من العام ولا يلجم سخونتها التي تلسع لسعا إلا الأمطار والمحافظة على كل العادات والتقاليد التي تعود السودانيون ممارستها في قراهم ومدنهم بما فيها العاصمة الخرطوم التي تفتقر رغم عمرها المديد وأمطارها الغزيرة إلى نظام تصريف فعال لمياه الأمطار وفي ظل استمرار هذا الوضع فإن شوارع الكثير من الأحياء تتحول إلى برك مياه راكدة يصعب حتى السير فيها دعك من أن تجلس فيها لتناول الإفطار. صحيفة السوداني