يحكم العديد من المراقبين السياسيين على التجمع الوطني الديمقراطي في المعارضة بانه أكبر حركة معارضة في السودان كان يمكن أن تحدث اختراقاً شاملاً من أجل الديمقراطية ،فالتجمع تشكل من كل القوى السياسية الكبرى في البلاد بعد مجيء (الإنقاذ) الى الحكم في الثلاثين من يونيو 1989م وتسلل شعور لدى القوى المكونة للتجمع بالقدرة على احداث التغيير واستعادة السلطة الديمقراطية مرة اخرى وكان ذلك واضحا من خلال الرسائل القوية التي كان يبعث بها رئيس التجمع الوطني الديمقراطي محمد عثمان الميرغني من الخارج حيث ثقل المعارضة (سلم ولن تسلم ) وهي الشعارات التي كانت تجد الصدى الايجابي بالداخل لدى مناصري التجمع قبل ان استبدل رئيس التجمع الوطني الكلم بلاءت تعبر عن مآل التجمع ( لا للهجوم على المؤتمر الوطني - لا للعدائيات - ولا للمشاركة في السلطة الا عبر وفاق وطني يجمع كل أهل السودان ويؤدي الى تكريس الوحدة ). وباستثناء اللاء الثالثة الاخرى التي استبدلها زعيم الختمية بلاء سلفت في لقاء مصوع قبل حضوره باشهر معدودات الى الخرطوم والتي جاءت متناغمة مع لاءاته الداعية للتعايش مع المؤتمر الوطني ، يأتي خطاب الميرغني منسجما مع سياسة القاء رايات مجابهة نظام الخرطوم راية فراية من قبل القوى السياسية جهة المعارضة وهي العملية التي ابتدأت منذ عام 2000م في اجتماع هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بمدينة مصوع والتي كانت بمثابة الانقلاب على الخط الثوري الذي إختطته قوى المعارضة المنخرطة تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي في مؤتمر القضايا المصيرية في عام 1995م، وهو المؤتمر الذي يصفه الاستاذ الخاتم عدلان باللحظة الحاسمة في حياة التجمع عندما عقد عام 1995، ما عرف بمؤتمر القضايا المصيرية بالعاصمة الإرترية أسمرا وتبنى وثائق انطوت على مبدأ تقرير المصير للجنوب، وفصل الدين عن الدولة في السودان، و اعتمد العمل العسكري في منازلة النظام، «ولاستئصاله من الجذور»، كما قال الميرغني نفسه في ذلك الوقت، وكما ظل يردد حتى وقت قريب. قبل ان يشن الأستاذ الخاتم عدلان هجوماً عنيفاً على التجمع الوطني الديمقراطي ورئيسه محمد عثمان الميرغني ، عندما قال في مؤتمر صحفي عقب عودته الاخيرة الى البلاد في 2004م أن التجمع المعارض أجهض ما وصفه الخاتم أكبر حركة معارضة في السودان كان يمكن أن تحدث اختراقاً شاملاً من أجل الديمقراطية ، وأضاف الخاتم أن التجمع فقد تعاطف الشعب السوداني ودول الجوار ، واصفاً التجمع بالعجز عن تغيير توازن القوى مشيراً إلى أن الأحزاب السودانية وصلت الى مرحلة الإفلاس ، داعياً التنظيمات الحزبية لإعادة ما انقطع من خيوطها معلنا تأييده لخطوات السلام الجارية (آنذاك) مناشداً القوى السياسية لتأييده وضمان شموليته وتوفيره للحريات والديمقراطية والتعاهد السلمي . الخاتم فيما يبدو كان يأخذ على التجمع انقلابه على المسار الذي اختطته في مؤتمر القضايا المصيرية وهو الانقلاب الذي يرى فيه الكثيرون قد ادى الى تشرزم القوى المعارضة وبروز الحركات المسلحة دون ناظم مما يطرح في كل مرة امكانية العودة الى المسار الاول للتجمع الوطني المتمثل في الخط الذي كان يقوده الميرغني نفسه الا ان تقلبات السياسة وتراجع التجمع عن شعاراته في مواجهة الحكومة ليطرح شعارات جديدة على شاكلة لا للعداء مع المؤتمر الوطني ،لا للتكتل ضد المؤتمر الوطني ليدخل بعدها التجمع الوطني الديمقراطي مرحلة الحوار مع الحكومة عقب إتفاق نيفاشا للمصالحة الوطنية، وهو الحوار الذي أنتج اتفاق القاهرة للمصالحة الوطنية والذي كان على رأس مطلوباته التحول الديمقراطي وهو العملية التي لم تتم حتى الآن لضعف الاتفاق وخلوه من وسائل ضغط تضمن نفاذه، واكتفت القوى السياسية الموقعة عليه بلقمة المشاركة في السلطة على المستويين التشريعي والتنفيذي متراجعة عن شعار اسقاط الحكومة بل صارت تصرح بذلك علانية وعلى رؤوس الاشهاد الاعلامي والصحفي المحلي والعالمي تحت دعاوى المهددات الدولية ويظهر ذلك جليا وواضحا في الصيغة الجديدة لتحالف القوى السياسية التي نبذت كلمة ( المعارضة ) مستبدلة اياها بعبارة (القوى الوطنية) ويبدو ان لاءات الميرغني تحولت الى برنامج سياسي للقوى التي كانت تقف في خانة المعارضة قبل ان تتحول الى ( القوى الوطنية) ويبدو ذلك واضحا في موقفين ، الموقف من قضية المحكمة الجنائية ، وطرد المنظمات ويرى معلق سياسي ان القوى السياسية تحولت الى هيئة شورى مبررة للحكومة وناصحة لها . وان كان البعض يرى ان عودة الفاعلية الى المعارضة تكمن في العودة الى صيغة التجمع وشعاراته القديمة فإن آخرين يرون ان لا فاعلية ترجى كما قال لي الاستاذ محمد علي جادين الكاتب المعروف في ظل وجود نفس الشخصيات الموجودة حاليا في قيادة المعارضة والتي يرى فيها جادين منتجة لازمة العمل المعارض مما يتطلب صيغة جديدة وعقول جديدة الا انه هنالك من يرى باهمية عودة التجمع كضررورة تتطلبها المرحلة الراهنة او على نحو مايرى الكاتب الصحافي عبد الفتاح بيضاب عندما يرى في التجمع ضرورة تاريخية لخروجه من المخبأ لدلالات وضوحه بإضاءة الساحة السياسية منذ فقه نشأته ليتمم ويصل مرسأ غاياته وأهدافه المرحلية والاستراتيجية بجانب كونه استطاع لم شمل المعارضة الوطنية الديمقراطية بكل طيفها السياسي . ويبدو ان الحنين مازال يحرك الكثيرين الى ماضي خلفته قوى المعارضة وراءها والمتمثل في ما خرج به مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية1995م وفي هذا الاتجاه يقول بيضاب ان أسمرا كانت نقطة مكانية تظل قسماتها محفورة في وجدان وعقل كل سوداني حالف الحظ بالحضور حسي أو معني لجهة مصيرية القضايا التي تسيدت منضدة الحوار الخالص للوطن من أجل الخروج بمحصلات تقود وتدفع بقوة حركة الوطن نحو المضي قدما للأمام واضعة خلفها تاريخ القبلية والعنصر والطائفة والمذهب فخرجت بوثيقة يظل يخلدها تاريخ النضال السياسي بمميزاتها الوطنية والديمقراطية موروثا تتأصل عليه وتفتخر به وتنهل منه أجيال قادمة ويقسم كل من تيسر له هضمه أن حين ينضب يكون قد قاد سفينة الوطن إلى مراسي ومرفأ الاستقلال الحقيقي في البنيات تحته الاقتصادي وعلاقات انتاج جديدة ووطنية وانعكاسات ذلك علي الفرد والمجتمع في مكونات فوقه الثقافي ليحمل في عناصر مكونه كل مقومات الديمقراطية والوطنية لنبيت شركاء في خيرات الوطن ماءً وكلأً ونارا ونبحث لا نجد من في حاجة لفضل زاد أو ظهر .