في أحد أيام صيف الخرطوم القائظ رجع " عمر " من عمله الخاص في آخر النّهار بعد عمل مضنِ وشاق ، وهو يهم بإدخال سيارته إلى جراج منزله الكائن بإحدى أحياء العاصمة السودانية الخرطوم ، ظهرت على مرآة سيارته صورة جاره ورفيق المسجد ، الذي يعمل " قاضياً " بإحدى محاكم الخرطوم يمشي ( راجلاً ) بكامل هندامه وزيّه الأنيق . رقِبهُ وهو يهمُ بإيقاف سيارة أجرةِ من الطريق ، أعاد " عمر " ترس سيارتة إلى الخلف وهبط منها مُحييّاَ جاره " الخلوق " وسأله عن وجهته أجاب أنه ذاهب في مشوار لقضاء بعض حوائجه ( الخاصة ) ، دهش " عمر " وأردفه بسؤالِ آخر و هل سيارتك معطلة ؟ " صمت " الجار في تواضع وحياء ، فأصر " عمر " أن يأخذه إلى مشواره وبعد إلحاح ركب معه . في الطريق أعاد سؤاله ( المُلٍّح ) عن عدم إستغلاله لسيارته التي يعرفها ، فأجاب " الجار " مضطراً في حياء ما بحوزتي هي " سيارة العمل " واليوم عطلة وﻻيمكن أن أقضي بها حوائجي ( الخاصة ) فتركتها بالمنزل !! وجم " عمر " وكاد أن يسقط مغشياً عليه من فرط دهشته بهذا الورع والتعفف والتنزهه من أن ﻻيصيبه " حرام " في مركبه ومطعمه وملبسه ! وسأل نفسه في صمتٍ ( أيعقل أن لازال يعيش بيننا من أمثال هؤلاء الناس ) ؟! مما يحكى عن سيرة الشهيد " أحمد البشير الحسن " خلال عمله بإحدى منظمات الإغاثة في السودان ، كان يحمل بسيارته ( البوكس ) عبوات من أكياس الزرة لتوزيعها على مستحقيها ، رجع إلى منزله في إحدى الأيام من مواقع التوزيع في آخر الليل ، وفي الصباح وجد أن زوجته قد تصرّفت ( بحسن نيه ) بتنظيف ما بقى من على ( ظهر ) البوكس من زرة وإعطائه للاغنام ، سأل زوجها عن الكمية التي ﻻتسوى مداّ من الكيل فقام بشرائها وإعادتها لأهلها ! . هذه المواقف في التنزه والعِفة عن الحرام ليست من قصص الصحابة أو التابعين وإنما من مسؤولين أو موظفين سودانيين معاصرين ( يستحون من الله ) ! فكيف بالذين ( يعربدون ) بسيارات الدولة الفارهة في ( الفارغة ) و ( المقدودة ) دون حياء أو خوف من الله . بل ماهو مذهل ومدهش ما نقلته لنا الصحف عن أحد النواب بالبرلمان الذي يقول أن مخصصات وإمتيازات ( صندوق دعم الوحدة ) مع الجنوب ﻻزالت مستمرة ولايدرون أين تنفق وماذا يعمل ؟ !. الجنوب إنفصل قبل أكثر من ثلاثة أعوام ويزيد وقد أعلن إستقلاله ، وﻻ زال يقبع في العاصمة السودانية الخرطوم مبنى فخيم وموظفين جيئة وذهابا ( لدعم الوحدة ) ألا يستحون !! والله المستعان إلى لقاء .. من الآخر بقلم : محمد الطاهر العيسابي [email protected]