كثر الحديث عن سيناريوهات عديدة تصف الواقع السياسي المأزوم، ولاك الناس حديثاً عن جدوى الحوار الوطني، وقدموا تفسيرات كثيرة عن تعثره وارتباك الساحة السياسية حياله، لكن الثابت دائماً هو إقبال القوى السياسية لتغيير كروت اللعبة، والبحث عن تحالفات فعالة متى ما انسد الأفق؛ فسماء السودان السياسية المُلبدة بالغيوم، دفعت كلا من زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي ورئيس حركة "الإصلاح الآن"، غازي صلاح الدين العتباني، للتوقيع بالقاهرة مؤخراً على بيان من (5) بنود، يعدَّها المراقبون خطوة للانسحاب الكامل لحركة العتباني من الحوار الوطني، خاصة وأن المؤتمر الوطني، اتهم على لسان رئيس قطاعه السياسي، مصطفى عثمان إسماعيل، حركة "الإصلاح الآن"، بمحاولة إفشال الحوار، وخيرَّها بين المواصلة أو المُغادرة. وحسب بيان مُشترك للمهدي وغازي، فإن مُباحثات عابرة بين الطرفين خلصت إلى خمسة بنود، أولها نص على أنه "لا حوار حقيقي إلا بتوفير مُستحقاته التي أجمعت عليها القوى السياسية التي تماطل الحكومة في الوفاء بها". ورفض الزعيمان ما أسمياه ب"استراتيجية الحكومة القائمة على فرض الانتخابات كأمر واقع وفق شروط المؤتمر الوطني"، وأشارا إلى أن الانتخابات من أهم بنود الحوار الوطني وقيامها بدون استيفاء الشروط الضامنة لنزاهتها هو مجرد محاولة لاكتساب مشروعية غير مستحقة، وأن التعديلات الدستورية و الطريقة التى أجيزت بها تؤكد على عدم جدية الحكومة في الحوار الوطني باعتبار أن التعديلات الدستورية هي أحد أهم بنود الحوار الوطني، والعمل معاً من أجل توحيد مواقف القوى السياسية حول القضايا والمواقف الوطنية. ويقول أستاذ العلوم بجامعة الزعيم الأزهري، آدم محمد أحمد، إن الاتفاقات الثنائية لا تقود إلى حلول في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد، ويرى أنه من الضروري الانخراط في حوار شامل بين كافة الأطراف، وتقديم التنازلات من الجميع، وعلى رأسهم المؤتمر الوطني. وكان العتباني قال في تصريحات صحفية في وقت سابق: "لابد من قراءة دقيقة للمشهد حتى نتبين أمرنا من هذه العملية، إن مستقبل الحوار الوطني غير واضح رغم إجازة الجمعية العمومية لخارطة الطريق واتفاق أديس أبابا"، كما دعا إلى ضرورة الاتفاق على آليات تنفيذ البرنامج السياسي الذي يمكن أن يُتفق عليه: "لايمكن الاتفاق على برنامج سياسي دون الاتفاق على آليات تنفيذه وهو ما سنظل نطالب به". ومثَّلت هذه التصريحات الموقف المُعلن لحركة الإصلاح الآن من جملة عملية الحوار الوطني، لكن مصطفى عثمان إسماعيل قال – حينها- "إن وجود الحركة أصلاً مقصود منه إفشال الحوار"، لكن عثمان لم يقدم شواهد على تلك الاتهامات سوى إشارة إلى أن حركة الإصلاح الآن ظلت تحرض الأحزاب من داخل آلية الحوار، لكنه قول لم يكن مشفوعًا بحيثيات تؤكد ذلك، إذ اكتفى الرجل بإطلاق اتهاماته مُرسلة دون شواهد تؤكدها. حدة الخلافات تصاعدت في الآونة الأخيرة بين أحزاب المُعارضة المشتركة في الحوار، في أعقاب إقصاء الجمعية العمومية لممثل حزب "الحقيقة الفيدرالي" فضل السيد شعيب، ورئيس حزب "العدالة" بشارة جمعة أرورو، بعد قرار للحزبين بخوض الانتخابات. بينما رفض المفصولون القرار، وهدَّدوا بتشكيل كتلة موازية لأحزاب الحوار، ما أدَّى إلى تأجيل اجتماع آلية "7+7" الذي كان مقرراً انعقاده، "الثلاثاء" الماضي، برئاسة البشير. وقال عضو الآلية ورئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني مصطفى عثمان إسماعيل، إن اللجنة الفنية التنسيقية للحوار انتهت من جميع أعمالها الموكلة إليها من الجمعية العمومية وعلى رأسها خارطة الطريق واختيار الشخصيات القومية والأمانة العامة بجانب اختيار الموفقين الخمسة. ورأى كل من المهدي وغازي في بيانهما بالقاهرة أن التعديلات الدستورية والطريقة التي أُجيزت بها أخيراً تؤكد عدم جدية الحكومة في الحوار الوطني باعتبار أن التعديلات الدستورية هي أحد أهم بنود الحوار، وتعهدا بالعمل معا من أجل توحيد مواقف القوى السياسية حول القضايا والمواقف الوطنية. القوى السياسية واتفاقاتها الثنائية ظلت محل جدل، ويشير الكاتب والباحث، خالد التيجاني في مقال موسوم ب" الحوار السياسي في السودان ومآلاته الراهنة"، إلى أن هناك ضعفا شاملا يعكس حاجة القوى السياسية المُختلفة إلى حوارات داخلية لمعالجة أزماتها الذاتية أولاً، وتجديد فكرها وبرامجها وأجندتها وقياداتها وهياكلها حتى تكون مؤهلة لحوار منتج؛ فإصلاح وترقيع النظام السياسي الحالي أثبت عدم جدواه والحل الوحيد أمام السودانيين لتحقيق الاستقرار هو إعادة تأسيس الدولة الوطنية على قواعد مشروع وطني جديد، أو استمرار الدوران في الحلقة المفرغة انتظاراً للمزيد من التفتت والتشرذم. اليوم التالي