*أستاذ الفلسفة عاطف العراقي كانت ليه نظرية عن (الانحطاط) يرددها كثيراً أمامنا.. *كان يقول أن انحطاط الغناء – في دولة ما – يمكن أن يكون مؤشراً لانحطاطها هي نفسها.. *وكان يضرب المثل – دوماً – بأحمد عدوية في مصر.. *ويقول أن محدودية أمثال صاحب (انسح اندح امبو) أمر لا يدعو إلى الانزعاج.. *ولكن إن تكاثروا – وصاروا ظاهرة – فعلى الدولة السلام.. *ومصداقاً لنظرية عاطف هذه فإن حكيماً كان قد تنبأ بقرب زوال عهد يزيد الأموي بعد رؤيته له يسمع غناءً (منحطاً!).. *أي مثل بعض غناء زماننا هذا في بلادنا.. *وتحديداً تلك التي تقول بعض كلماتها (طاعني دايما بي ورا !!).. *وانتهى زمن يزيد بن الوليد – فعلاً – بعد فترة وجيزة من نبوءة الحكيم.. *والإنقاذ في بداياتها كانت تحارب الغناء -على إطلاقه- وإن لم تجهر بذلك.. *وحاولت أن تُعلي من شأن (نوعية) غناء قيقم وشنان وبخيت ومن شابههم.. *فلما فشل الأمر تراجعت عن محاربة الغناء ولكن بتشجيع للغث على حساب الثمين.. *فازدهرت أغاني الخلاعة إلى حد أن أحد الذين نالوا شهرة بها طمع في منصب الرئاسة.. *فقد أراد أن يحكمنا بظن أنه (فريد عصره الما ليه مثيل!!). *ثم أطلق على نفسه لقب (الملك) في مقابل آخر سمى نفسه (القيصر) وثالث قال إنه (الإمبراطور).. *وصار لدينا (عدويات) تتجنب أغنياتهم – حياءً – أغنية (سلامتها أم حسن).. *فهي في غاية الاحتشام قياساً إلى (عمليتك ما ظريفة وحركتك جبانة!).. *وبمناسبة لقب (إمبراطور) هذا فقد كانت هنالك قصة طريفة في مجال الغناء قبل الإنقاذ.. *فالمطرب شرحبيل أحمد كان يُلقب ب(ملك الجاز) رغم إنه لم يكن يهتم بالألقاب.. *فظهر منافس له – هو الجيلاني الواثق – سمى نفسه (ملك ملوك الجاز!).. *هو الذي أطلق على نفسه اللقب المذكور ولم تطلقه عليه الصحافة.. *فانظر أين الجيلاني الآن وأين شرحبيل في الساحة الغنائية؟!.. *ولكن حين يكثر الانحطاط الغنائي – والمنحطون – فهذه هي الظاهرة المخيفة التي حذر منها العراقي.. *فنحن لدينا الآن ما لا عد لهم – ولهن – من أشباه عدوية صاحب (زحمة يا دنيا زحمة!).. *لدينا (زحمة!!) – في عالم الغناء – ثم لا غناء (أصيل).. *بل هو غناء (غرائزي) مثل الذي كان يطرب له يزيد في أخريات أيامه.. *ونحن يطرب الكثيرون منا – الآن – لأغنيات في منتهى الانحطاط.. *بل منتهى (التفاهة !!!).