نيلان- أبيض وأزرق- ونهر نيل، يجري.. يجري من إلتقاء النيلين، في الخرطوم، إلى مصر، ورغم كل ذلك، تعاني الخرطوم من العطش! ذلك سبب كافي لجز رؤوس كبيرة، في الجهات المعنية بإمدادات المياه في العاصمة السودانية.. بل ذلك سبب كافي، لاستقالة حكومة، حكومات. مشكلة إمدادات المياه في الخرطوم، ليست مشكلة اليوم. إنها مشكلة سنوات.. وهى تتفاقم يوما من بعد يوم، لكن لا أحد يتحرك ، إلا الذين نشفت حلاقيمهم، وخرجوا- كما نشاهد الآن- يملأون تلك الحلاقيم بالهتافات، وتمتلئ بالتالي رئاتهم بالغاز المسيّل للدموع، ويدوش مسامعهم الرصاص الذي يصيب، أحيانا! المواطن، لا يملك إلا حلقومه.. والمطالب مشروعة، فلماذا تحاول السلطات في الخرطوم، إخراس الهتاف الذي يطالب بحق ضُيّع، بالتقصير الوظيفي، واللامبالاة. تفاقم مشكلة المياه، يكشف عن سؤء بالغ في التدبير، وسوءا في ترتيب مايعرف بالاولويات.. ومن الاولويات إمداد المياه إلى كل منزل- وبصورة لا تعرف الإنقطاع- قبل تشييد قصر رئاسي ثان، وبناء منتجع رئاسي، وقبل الصرف البذخي في الإنتخابات، وحفل التنصيب الرئاسي… وقبل الإمضاء على فاتورة مستحقات الدستوريين والنواب، وأعدادهم في السودان تفوق أعدادهم في أعظم دولة في العصر الحديث! ترتيب الأوليات، هو ماينهض بالدولة- أي دولة- ويحاصر الأزمات قبل أن تقع الفأس على الرأس، ويجنب الحكومات والانظمة- بالتالي- السخط العام، ويعفيها عن حشد الاجهزة الامنية وفاتورة استهلاك الغاز المسيّل للدموع، والرصاص القاتل، وفاتورة استمرار( الإستناد باى).. وفاتورة تنظيف الشوارع من مخلفات التعبير عن الغضب! صحيح، ان العاصمة السودانية بالهجرات الكثيفة من الريف، أصبحت مكتظة، وهذا ما أثر على الخدمات، لكن ماهو أصح أنه كان لزاما- وقد عجزت الحكومة عن وقف هذه الهجرات بتنمية الريف- أن تتحسب بالتخطيط الخدمي السليم، لكل الإمتدادات السكانية الجديدة: وأولى الخدمات بالطبع: إمدادات المياه والكهرباء. هذه الإمتدادات السكانية- التي لم تصاحبها حصتها من الخدمات أثرت بالطبع، على «حصة « الخدمات التي كانت وقفا على الخرطوم القديمة,, وهكذا كانت قطوعات المياه والكهرباء، حتى في وسط العاصمة السودانية! مرة أخرى.. من الماء، جعل الرب كل شئ حى.. والخرطوم، في الشح الخطير للمياه، تبدو مدينة ميتة إلا من السخط، والحلاقيم التي تتعبأ بالغضب العام.. وستظل مدينة- هكذا- خاصة في شهر رمضان الذي يصادف هذا العام صيفا حارا جدا! ترتيب الأولويات، ياقوم.. قوموا إليها، يرحمكم الله!