بتوقيع الاتفاقيات المُشتركة بين السودان والمملكة العربية السعودية، تدخل العلاقات الثنائية طوراً جديداً من التعاون الجاد لتأسيس علاقة استراتيجية بين البلدين في مجالات حيوية تستمد قيمتها من تأثيرها المُباشر على حياة المواطن السوداني. أفضل ما يُمكن أن تقرأه في مسار العلاقات الثنائية بين السودان والسعودية أنها لا تحتفي كثيراً بعبارات الإطراء ولافتات (الطبطبة والمُجاملات الدبلوماسية)، بل تنفذ إلى المشروعات والعمل الجَاد لربط البلدين برؤية استراتيجية تَتَطَابق إزاء الأحداث في المنطقة والإقليم مع التركيز على تأسيس شراكات اقتصادية واستثمارية قائمة على المَصالح المُتبادلة. السعودية دولة تُحظى بمحبة واحترام الشعب السوداني، ولها في وجدان السودانيين مَوَدّة خالصة منحت القيادة السياسية تفويضاً لتوطيد العلاقات إلى أبعد مَدَىً. قَرار مُشاركة السودان في عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية في اليمن – مثلاً – لم يكن قراراً سهلاً بالنسبة للحكومة، لكن ثقة الشعب في مُنطلقات السعودية الخيِّرة وأهمية استعادة بلادنا لدورها العربي المشهود في مُناصرة القضايا الكبيرة سهّل على القيادة السودانية اتخاذ القرار والانخراط فيه قولاً وعَملاً. الزيارة الخاطفة للرئيس البشير إلى المملكة العربية السعودية خلال اليومين الماضيين تضيف عافية إلى المشهد الماثل الآن في مَسَار العلاقات الثنائية، شكل الحفاوة والاستقبال التي حُظِي بها البشير، إلى جانب الاتفاقيات المُوقّعة في الرياض قياسَاً بمدة الزيارة كلها حيثيات تُشير إلى جدية السعودية في تطوير العلاقات مع السودان. التركيز على مَشروعات تُخَاطب احتياجات الشعب السوداني يُضاعف من مكانة السعودية في خارطة علاقاتنا الخَارجيّة ويُؤكِّد قيمتها كدولة محورية بالنسبة للسودان. جلسة المُباحثات المُشتركة بين الرئيس البشير والملك سلمان انتهت بالتوقيع على أربع اتفاقيات بين البلدين، تتعلق الأولى بمشروع اتفاق إطَاري لمشروع مُعالجة العجز في الكهرباء تدخل ألف ميقاواط على الخط الناقل من محطة كهرباء البحر الأحمر. المشروع الثاني كان بمثابة اتفاق إطَاري بشأن الإسهام في خُطة لإزالة العطش في الريف وسقيا الماء للفترة من 2015 الى 2020، أمّا الاتفاقية الثالثة فلتمويل مشروعات سدود (كجبار والشريك ودال)، الاتفاقية الرابعة تتعلّق بالاستثمار الزراعي وقد تمّ التوقيع بين وزارتي الزراعة السعودية والموارد المائية والكهرباء في السودان. القَاسم المُشترك بين كل هذه المشروعات إنّها تتعلّق بجَوانب حَيوية ومُهمّة تلامس بشكلٍ مُباشرٍ مُشكلات للمُواطن السوداني سَواءٌ في الكهرباء أو العطش وإتاحة فُرص أكبر للاستغلال الأمثل لمياه النيل والتوسع في الأراضي الزراعية وفتح نَوافذ جَديدة للاستثمار الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي. إلى حد كبير نجحت الخرطوموالرياض في الترتيب لانطلاقة جديدة وقوية لعلاقات ثنائية قائمة على الاحترام المُتبادل وتَعزيز المَصالح المُشتركة، وَتَمَكّن الجانبان السوداني والسعودي من تحديد استراتيجية جديدة وبَنّاءة قوامها وجود تطابق كبير في وجهات النظر تجاه القضايا الإقليمية والدولية واستصحاب جَانب المَصَالح المُشتركة في التأسيس لعلاقات استراتيجية، نتمنى أن تستمر العلاقات الثنائية مع السعودية على هذه الوتير المُتَصَاعدة من النجاحات.