يرى المراقبون للشأن المصري أن الرئيس عبدالفتاح السيسي والسلطات المصرية يعيشان حالة من الفزع الكبير قبل أيام قليلة من ذكرى 25 يناير، مع إعلان ما يشبه حالة “التعبئة العامة” لجميع الأفراد والكيانات الموالية له، ووضع مؤسسات الدولة خصوصاً الأمنية في أعلى درجات الاستنفار. لكن في المقابل يعكس المشهد الثوري حالة من الضعف التي تثير علامات الاستفهام حول أسباب تلك الحالة. حالة فزع وتسيطر حالة من الفزع على السلطات المصرية، تزداد أعراضها كلما اقترب موعد ذكرى 25 يناير. تلك الحالة صاحبها العديد من الإجراءات الأمنية، والحملات الإعلامية، وخطابات المنابر، والتحركات السياسية، وخطوات لتحسين الأوضاع الحقوقية، مع إجراءات ذات بُعد اجتماعي، وذلك خلال أقل من شهرين. من جانبه كشف مصدر أمني أن هناك خطة أمنية تم وضعها استعداداً ل25 يناير، بدأت منذ بداية ديسمبر/كانون الأول، وذلك عن طريق رصد للعناصر داخل دائرة الاشتباه، وتم إصدار إجراءات مسح بشركات القطاع العام، والقطاع الخاص، لرصد أي عنصر مطلوب أمنياً. وذكر المصدر أن أجهزة الأمن استطاعت بالفعل ضبط العديد من تلك العناصر، وتمت إحالتها للنيابة العامة، مشيراً إلى أن الحملة مازالت مستمرة خلال المرحلة المقبلة. وعلى أرض الواقع، شنت بالفعل الأجهزة الأمنية موجة كبيرة من حملات الاعتقال في صفوف النشطاء السياسيين أو الحقوقيين، وتم إحالة العشرات من هؤلاء للمحاكمة بتمهة تشكيل تنظيم “25 يناير”، والعمل على قلب نظام الحكم، وتم اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية، منها تركيب أكثر من 2000 كاميرا للمراقبة بمحطات مترو الأنفاق، وانتشر عدد من الأكمنة الأمنية في الأماكن العامة. وفي ذات الاتجاه وزَّعت وزارة الأوقاف منشوراً منذ أسبوعين بموضوع خطبة الجمعة بعنوان “حرمة التظاهر يوم 25 يناير”، استناداً لفتوى دار الإفتاء، واصفة التظاهر بأنه جريمة ودعوات مسمومة لتخريب البلاد لصالح أعداء الوطن، وصاحب ذلك حملة هجوم على الداعين للتظاهر في 25 يناير، بدأت على صفحات الصحف الموالية للنظام المصرين وانتقلت إلى برامج “التوك شو”. فيما عقد الرئيس عبدالفتاح السيسي عدداً من الاجتماعات مع الأجهزة الأمنية المتخلفة، كان منها اجتماع بمقر المخابرات العامة، واستمع إلى عدد من تقديرات الموقف، واجتماع مجلس الدفاع الوطني، والقيادات الامنية، وذلك خلال أقل من أسبوعين. غضب مكتوم وفي محاولة لتفكيك الغموض المصاحب لتلك الحالة يقول حازم عمر، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن النظام المصري لديه تخوّف من القصور الخدمي الذي وعد به المواطنين، وكذلك تخوّف من تركيبة المشهد السياسي المصري بعد انتخابات مجلس النواب، وغياب العديد من القوى السياسية عن التمثيل داخل المجلس، ما يسبب قلقاً للنظام بأن يلجأ الناس لشرعية الميدان كبديل عن شرعية البرلمان التي لا يتواجد بها. وأكد عمر ل”هافينغتون بوست عربي” أن البرلمان الحالي لا يوجد به تمثيل حقيقي لقوى ثورة 25 يناير، بل وهناك حالة عداء شديد بين أصحاب النفوذ والظهور القوي داخل المجلس وبين الثورة في حد ذاتها، وهو ما يجعل النظام الحالي يظهر بصورة العداء مع تلك الثورة، وهذا من الأمور التي تكشف تلك التخوفات الموجودة الآن. وأشار إلى أن الإجراءات الاحترازية التي يلجأ إليها النظام الآن هي محاولة للتعلم من أخطاء الماضي، وعدم التهاون مع أي تهديد كما حدث قبل ثورة 25 يناير، والدولة هنا تريد أن تحافظ على صورة المنقذ الذي يحذر من المخاطر والتهديدات، وفي حال حدوثها يكون صاحب شرعية في التعامل معها بكل حزم، وفي حال عدم حدوثها يخرج بصورة النظام القوي التي تفشل معه أي مؤامرة. الغموض مُرعب وعنف لإفشال الانطلاقة الجديدة وفي محاولة لتفسير الواقع في الشارع تقول هبة حسن، الناشطة الميدانية عضوة اللجنة الإعلامية بحزب الحرية والعدالة المنحل، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إن الحراك الثوري الآن على الأرض يدخل مرحلة جديدة يعتمد فيها على التحركات الراشدة والتنسيقات الممكنة بين القوى المختلفة، وظهور حركات جديدة تمثل غموضاً كبيراً للنظام الحالي. وأكدت هبة ل”هافينغتون بوست عربي” أن غموض الموقف في هذا المشهد الثوري الجديد هو أكبر ما يخيف النظام الحالي، ويجعله يتحرك بارتباك وعشوائية كما يحدث في تلك الأيام، فهو يرى نفسه يحارب الظلام، مشيرة إلى أن خروج بعض الأصوات لقوى كانت تؤيد هذا النظام لتهاجمه بضراوة زاد من ارتباك النظام، حتى أصبحت العناصر التي أسست لحدوث ما يطلق عليه “انقلاب على نظام مرسي”، هي محل استهداف من أركان النظام كما حدث من استهداف أمني مع أحد مؤسسي “تمرّد”، أو كما حدث من إلصاق التهم الجاهزة من الانتماء للإخوان أو العمالة، كما يحدث مع صباحي وفريقه، والبرادعي وأنصاره. وذكرت الناشطة الميدانية أن الحراك الثوري في مرحلة انطلاقة جديدة، وستكون ذكرى 25 يناير بداية لتلك الانطلاقة، وليست مرحلة الانفجار الكبرى التي لا يمكن لأحد تحديد موعدها، خصوصاً أن المرحلة الماضية كانت تتسم بالهدوء نسبياً مع الارتباك الذي شهده البيت من الداخل لدى القوى المعارضة، ويبدو أن النظام يدرك هذا المشهد فيرغب في إجهاضه قبل بدايته بسياسة العصا والجزرة، بين العنف والمطاردة، وإحداث مبادرات شكلية لتحسين صورته أمام الرأي العام. 25 يناير تهديد لمصالح النظام فيما يرى الدكتور وحيد عبدالمجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن كل مَنْ يحول ذكرى ثورة 25 يناير إلى فزاعة يعبر عن مخاوفه الداخلية من تلك الكلمة، ويرى أن مبادئ تلك الثورة تهدد مصالحه، ويمكن أن تغير مصر إلى الأفضل. وأكد عبدالمجيد في تصريحات خاصة ل”هافينغتون بوست عربي” أن كل مَنْ لا يريد تحقيق مبادئ تلك الثورة أصبح اسمها وذكراها يثير مخاوفه، رغم أنه لم يدعُ أي جهة لتظاهرات في تلك الذكرى، وحتى الكثير من الجهات المرتبطة بالثورة أعلنت احتفالها بذكرى الثورة في مقراتها، مشيراً إلى أن المشهد السياسي للنظام المصري الآن لديه شعور بأن ثورة 25 يناير ومبادئها أصبحت تمثل تهديداً لمصالحهم ونفوذهم، ولذلك يتعامل بتلك الحالة الهستيرية مع ذكراها. لا اصطفاف مع ثورة وعن وضع القوى الثورية والحديث عن حالة الاصطفاف، قال عبدالمجيد إنه لا يوجد شيء اسمه اصطفاف ثوري، فهذا مصطلح متناقض، فالثورة بطبيعتها عمل عفوي لا يعد له أحد ولا يخطط له أحد، وعندما تم تحديد يوم 25 يناير كموعد لتظاهرة، كانت دعوة مثل الكثير من الدعوات التي كان يتم الإعلان عنها منذ 2004، ولكن الشعب المصري هو الذي قرر أن يحولها إلى ثورة، منوّها إلى أن الاصطفاف من شيم النظم الشمولية، والثورة لا تقوم على الاصطفاف سواء أثناء حدوثها أو بعد حدوثها. سيناريو العنف والخوف من العشوائية ولكن يبدو أن التخوفات من العنف تدفع النظام إلى تلك الإجراءات، وهذا ما يميل إليه العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني، ويقول إن مصر شهدت خلال الفترة التالية لفض اعتصامي رابعة والنهضة ظهور ما يُعرف بالتنظيمات الإرهابية العشوائية، والمختلفة تماماً في التركيبة أو الأهداف عن التنظيمات الإرهابية التي عرفتها مصر في العقود السابقة، ورغم نجاح القوى الأمنية في تفكيك معظمها، إلا أن تلك المناسبات دائماً ما تكون موعداً لإعلان أي تنظيم جديد عن نفسه استغلالاً لزخم المشهد مع موعد الذكرى، وهذا ما حدث العام الماضي وظهور ما يسمى “العقاب الثوري”. وأكد عكاشة أن المنهج العشوائي في العنف يمثل صعوبة كبيرة لأجهزة الأمن المنوط بها مكافحة الإرهاب، وذلك في ظل عدم وجود خيوط إجرامية يمكن تتبعها للتعامل معها، وهو ما يتطلب مجهوداً كبيراً، وعملاً مضنياً لتفكيها، وتوجيه ضربات استباقية لها.