*ثانويتنا العامة كان يحفها شجر (العوير) من كل جانب.. *كان في نظري أبهى (سور) لأجمل لمدرسة.. *ولكنه يبقى في نظر كثير من الناس هو (العوير).. *و(العوير) صفة لا تُطلق إلا على كل ما هو غير جيد أو حسن أو جميل.. *وقبل فترة هاتفني من يقول أن مدرستنا تلك صارت عارية من سياج (العوير).. *فسألته إن كان يعني أنها أضحت جميلة فأجاب قائلاً (بل قبيحة جداً).. *وفتاة (جميلة) في حيّنا كانت تُنعت بأنها (عويرة) من شدة (سماحتها).. *وحين قبلت الاقتران بيعقوب – أستاذ الابتدائي- قال سكان الحي (لولا عوارتها هذه لكان تزوجها أستاذ جامعي).. *وبعد عامين كان يُضرب المثل بالزواج هذا في السعادة و الهناء والاستقرار .. *ولم تكن – من بين نساء الحي كلهن – من تبدو أكثر منها (شبعاً عاطفياً).. *وبطل رواية (عرس الزين) هو الذي كان يحبه شيخ الحنين ويناديه (المبروك).. *أما أهل البلدة كلهم فقد كانوا يرونه (عويراً) عدا واحدة.. *والواحدة هذه كانت نوارة بنات القرية بأصلها وحُسنها وأدبها و(تعليمها).. *ثم لم تكن (النوارة) هذه من نصيب أحد من فتيان القرية سوى الزين (العوير) .. *و(عوير) حينا – الذي أشرت إليه من قبل – كان يصيح بمفردة (عوير) كلما ورد ذكر مسؤول أجنبي تقدم باستقالته.. *وعندما انتبهنا إلى (المغزى) الذي جعل عويرنا يصيح بالذي يوصم به تساءلنا إن كنا نحن (العُوَرة) أم هو.. *فالأسباب التي ندفع المسؤولين (هناك) إلى تقديم استقالاتهم هي قياساً لما هو (عندنا) لا تستحق محض شعور ب(الحياء).. *ورئيس سوداني سابق كان يوصف بأنه (عوير) استطاع أن يلعب بمكونات واقعنا السياسي كما يلعب الساحر ب(البيضة والحجر).. *فهو (ضرب) اليسار باليمين، ثم اليمين باليسار، ثم بعضاً من كل أولئك بالبعض الآخر.. *ووحيد القرن الذي يُنعت ب(العوارة) ثبت أن (عوارته) هذه هي التي يعمل لها ألف حساب ملك الغابة .. *والأديب توفيق الحكيم كتب مؤلفاً عن الحمار ليُثبت أن الحيوان الذي يُضرب به المثل في التخلف ليس غبياً ولا(عويراً) ولا متخلفاً.. *ومن مفردة (عوير) نتعلم – إذاً – معانٍ هي على النقيض تماماً لما يوحي به ظاهرها.. *ويكفي أن حمار بائع اللبن – مثلاً – يعرف (سكته) بعد مشوارين أو ثلاثة فقط.. *ولكن مِن معارضينا مَن لا يعرفون سكتهم إلى الآن.. *لا يعرفونها رغم (26) عاماً من المشاوير.. *فإليك كامل احترامي أيها (الحمار!!).