* وألملم أطراف مشاهداتي المتفرقة في خواتيم زيارتي لمصر .. * مشاهدات بعضها مؤلم، وبعضها مضحك، وبعضها خليط بين هذا وذاك.. * ولكن من ملاحظاتي العامة أن شعب مصر لم يعد هو (ابن النكتة) ذاك الذي (يضرب الهم بالضحك) .. * فهو صار شعباً” مكتئباً” – على غير عادته- عدا حالات نادرة تذكرك بالذي مضى .. * فحتى أيام ثورتهم ضد مبارك لم يتخل المصريون عن روح المرح التي اشتهروا بها .. * ومن مظاهر المرح هذه رفع أحدهم لافتة – وهو جالس – كتب عليها (إستقيل، إيدي وجعتني) .. * وآخر رفع لافتة كتب عليها (إستقيل يعني إمشي، إمكن ما بفهمشي) .. * وثالث رفع لافتة كتب عليها ( كفاية بقى يا حسني، وبلاش تناحة) .. * أما اللافتة التي يجب أن ترفع في وجوه المصريين الآن فهي (كفاية بقى وبلاش تعاسة) .. * بل إن من المصريين هؤلاء من صار يحسدنا نحن السودانيين .. * يحسدنا على اللحمة، وعدم الزحمة، وتوافر الرحمة .. * ولكن أغرب ما يحسدوننا عليه هو الذي كان سمة مميزة لهم إلى وقت قريب.. * وأعني الميل إلى (الفرفشة) وخفة الدم وحب النكتة .. * ويكفي أن واحد” (مثلي) أضحك الذين كانوا حضورا” باستقبال (ماسبيرو) عند زيارته له .. فقد كنت في انتظار من يأتيني ليصعد بي إلى المكتب المعني .. * فلما جاء رحب بي ترحيباً” حاراً قبل أن يضطرب -جأة- كغصن شجرة في يوم عاصف .. * فهو لم ينتبه إلى أن الرخام تحته كان قد غسل للتو .. * فلما تمالك نفسه واصل ترحيبه قائلا” (أصلهم وصوني عليك يا فندم) .. * فأجبته قائلاً” بلهجته المصرية (وصوك عليا آه، ولكن ما طلبوش منك ترقصلي عشرة بلدي).. * ثم كدت أن أضطرب أنا نفسي اصطخبت القاعة بضحك لم أدر له سبباً .. * وسمعت من يقول من بين الضاحكين (بقالي زمن ما ضحكتش بالشكل ده ) .. * فأدركت – أكثر – أن شعب مصر قد فاق السودانيين تجهماً .. * ثم فاقه في كثير مما كنت أعيب عليه الهابطين بالذوق العام منا .. * فالغناء هنا أضحى أشد هبوطاً، والأزياء والرقصات والثقافات والاهتمامات كذلك .. * وسائق التاكسي الذي يعود بي يتحسر على أيام الضحكة والنكتة والقراءة وبساطة الحياة في مصر .. * ثم يعقد مقارنة – ليست في صالح بني جنسه- بين شعبي شمال الوادي وجنوبه .. * ولا أدري إن كنا نحن الذين (تقدمنا) أم مصر هي التي (تقهقرت) .. * ولكن ما أنا متأكد منه أن الدولار يتقهقر أمام عملتهم هذه هذه الأيام .. * بينما يتقدم أمام عملتنا نحن حتى بلغ – حسبما سمعت هنا- تخوم الرقم (12).. * ورغم ذلك فنحن – من واقع مشاهداتي هنا – أفضل حالاً.. * أفضل حالاً رغم زيادات الغاز والمياه والكهرباء والأسعار .. * ورغم طائرتي سودانير (اللي حيلتنا) من بعد أسطول .. * ورغم (سخافات) مامون حميدة في مجال الصحة .. * ورغم (الساتا وحمادة وولي !!!!) .