*كولن ويلسون يتحدث عن أول تجربة خطابة له.. *يقول إنه وقف أمام الجموع في (هايد بارك) ليخطب.. *طار الكلام كله من رأسه- أول الأمر- رغم إنه كان (أي كلام).. *نصحه صديق بجواره أن يصرخ فقط ثم (يخليها على الله).. *وبالفعل طفق ويلسون يصرخ ليجد الأمر في منتهى السهولة.. *وخلال صراخه ذاك كانت مصارينه تصرخ من الجوع.. *واختلط الصراخان مع بعض ليظهر تأثير الثاني على الأول.. *وصباح اليوم التالي فوجئ بصحيفة تتحدث عن (غاضب جديد).. *وكان (الغاضبون) تياراً جديداً في ذلكم الوقت غير ذي هدف.. *فهم غاضبون – بلا فكر أو معنى أو هدف – و(خلاص).. *ولكن ويلسون- كما يقول عن نفسه- لم يكن غاضباً على الإطلاق.. *بل كان سعيداً لدخوله في تجربة حب وصفها بأنها رائعة.. *وزميل دراسة لنا كان سعيداً بقصة حب حسدناه عليها.. *ليس لأن البنت كانت جميلة ولكن لقدرته على أن يحب أصلاً.. *ورأيناه (كبيراً) – منذ تلكم اللحظة- رغم إنه كان طالب ثانوي عام مثلنا.. *فجل اهتماماتنا كانت مصوبة – آنذاك- نحو أشياء لا علاقة لها بالمرأة.. *أو ربما المرأة الوحيدة التي اهتممنا بها هي التي أبكت شاباً في حينا.. *فقد فعلت فيه مثل الذي جعل شاعرنا عزمي يكتب بمداد دموعه (حان الزفاف).. *كنا نتساءل- بصدق- إن كان هذا سبباً كافياً للبكاء من تلقاء (رجل).. *وحرصنا على رؤية تلك الفتاة- بدافع من الفضول- فابتسمت في وجوهنا.. *ثم مات الفضول بموت محاولتنا فك طلاسم تلك الابتسامة العجيبة.. *وانصرفنا إلى هواياتنا البعيدة عن عوالم النساء و(الدموع).. *وتعليق عني أطلع عليه البارحة يجعلني أتساءل :أي حمدي فيهما هذا؟.. *فقد كان معنا طالبان يحملان الاسم ذاته أحدهما هو صاحب قصة العشق.. *أما ما ذكره عني فهو انتمائي للقوميين العرب بزعامة زميلنا عمر دهب.. *وما هو صحيح أننا كنا نصرخ كلانا- عمر وشخصي- في (هايد بارك) المدرسة.. *ولكن دوافع الصراخ تختلف من أحدنا الآخر قبيل الخروج في تظاهرة.. *كان هو يصرخ من منطلق (قوميته) المذكورة مناداة بسقوط مايو.. *وأصرخ أنا- صراخاً أشد- من منطلق أنني (غاضب وبس).. *غاضب من ماذا؟ لا أدري بالضبط وإن كنت لا أقل عنه كرهاً لمايو.. *وأصرخ الآن من (هايد بارك) منبرنا هذا لأنفي عن نفسي تهمة (العروبة).. *وأتكفل بنفيها عن عمر (أرقين) نفسه وإن أبى.. *فخير له إن كان غاضباً مثلي و(خلاص!!).