منذ سبعينيات القرن الماضي، كانت الشقيقات (البلابل) يدشِّنّ مرحلة جديدة مغنيات جماعيات في خارطة الغناء السوداني، وتزامن ظهور نجومية آمال وهادية وحياة طلسم مع النجاح الساحق للأخوات الأمريكيات الثلاث في فرقة (ذي سوبريمز) التي كانت ملء السمع والبصر في ذلك الوقت. البلابل تميزن بالأصوات المتناغمة والحركة المسرحية مع الغناء وقصات الشعر اللافتة والأزياء الملونة، وطوال مسيرتهن التي امتدت لأكثر من أربعة عقود أنتجن أعمالاً خالدة ووضعن بصمات بالغة الخصوصية والفرادة وتمتعن بشعبية طاغية بين مختلف الأجيال وحجزن بفضل عزيمتهن القوية التي لا تعرف الانكسار موقعاً رائداً بين كبار الفنانين، كما ولجن أصعب الأغنيات وأعدن إنتاج درر الحقيبة لقصائد بعض أبرز شعراء بلادنا ولوننها بأصواتهن البديعة الموشاة بالحنين وبالشجن. تجربة صادقة وناجحة في السياق، قال الدكتور الماحي سليمان أستاذ الموسيقى بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا ل (اليوم التالي): إن البلابل ظاهرة ممتدة شغلت كل الرأي العام السوداني والإقليمي وساهمت في رفد المكتبة السودانية بجميل الأغنيات وأعذب الألحان. وأضاف: تميزن بعناصر مهمة في مجال الأسلوب الغنائي مثل التطريب والارتجال. وأضاف: حققن نصراً للمرأة السودانية بولوجهن لأصعب المجالات، وتمكنَّ من اقتحام عالم كان حكراً على فنانين كبار غاب فيه الصوت النسائي، إلا أن صدق التجربة ونجاحها كانا كفيلين بمناصرتها وتعضيد مسيرتها، فكان بشير عباس الأب الروحي لقصة نجاح استثنائية سافر الجميع معها عبر ألحان تتقطر عذوبة وروعة. تخطي حواجز المستحيل وواصل دكتور الماحي حديثه قائلاً: هذه التجربة الفريدة استطاعت أن تجمع قلوب السودانيين حولها مناصرة ومساندة ودعما باعتبارها تجربة تخطت حواجز المستحيل، وتسامت لتصل ذروتها عطاء لم ينقطع، زادته الأيام عتاقة وحلاوة وطلاوة. وزاد: عندما قررن الهجرة وانقطعن عن السودان فقدت الساحة الفنية حيويتها وظهرت على المسارح الكآبة، إلا أن عودتهن أخيراً إلى أحضان الوطن فجرت شلالات الفرح الغامر، حيث أعدن زمناً جميلاً، وكأن بهذه الجموع تردد (رجعنالك، وكيف نرفض رجوع القمرة إلى وطن القماري). وأشار إلى أن أغنيات البلابل طبعت بصمات ساطعة على مسيرة الفن السوداني لن تتكرر بجاذبيتها وحضورها الأثير، مؤكداً أن بنات طلسم حجزن مقعدهن كسفيرات للأغنية السودانية بنمط وفكر جدير بالتقدير والثناء في مسيرة حافلة بالإنجازات. مدرسة متفردة من جهته، قال الناقد الفني عبد الباقي خالد عبيد ل (اليوم التالي): البلابل مدرسة بحد ذاتها، هادية وآمال وحياة مبدعات في كل أغانيهن، وقد تبناهن في بداية مشوارهن الفني الموسيقار الكبير بشير عباس إيمانا منه بموهبتهن، وقد بدأت تجربتهن بعد تجربة ثنائي النغم كما وجدن الدعم والتوجيه من والدهن الأستاذ طلسم المعلم بمدرسة أم درمان العليا، وكن في قمة مجدهن في السبعينيات والثمانينيات، وكان الرئيس جعفر نميري من كبار المعجبين بهن. وأضاف: رغم مرور عقود كثيرة على بداية مشوار البلابل إلا أنهن لازلن في قمة عطائهن يمثلن ملاذاً للعاشقين ويمنحنهم أغنيات الوجد الأكيد والمحبة الدافقة وآمال المحبين المنتظرة. الخرطوم – منهاج حمدي