عادت المناظر التي تسر الناظرين بالبحر الأحمر .. زحام السُفن على أرصفة ميناء بورتسوان.. وكانت تلك الأرصفة كئيبة و خاوية – إلا من سفينة أو ثلاث – قبل رفع الحظر الأمريكي .. وبعيداً عن ميناء بورتسودان، هناك لا شيء غير الجبال و البحر، ثم بعض بيوت الخشب المبعثرة في الفيافي بلا خدمات .. وهي منطقة هيدوب، جنوبسواكن.. من المناطق المنسية رغم أنها غنية بخيرات البحر، وتتخذها مراكب الصيد إحدى محطاتها ثم تغادرها لافتقارها لعوامل البقاء والاستقرار.. وكذلك كانت هيدوب من أوكار تجار السلاح وتهريب البشر..!! ولكن بهيدوب تشهد البلاد شروق شمس (حياة أخرى)، لتحل محل وعثاء العابرين وضنك المبعثرين .. ميناء الشيخ إبراهيم لصادر الثروة الحيوانية..عظمة الإنجاز تتحدى وصف الأقلام والأحبار .. قصدت – صباح السبت الفائت – قرية الشيخ إبراهيم – بمنطقة هيدوب – بمظان مشاهدة محض مرسى وأعمال الردميات، ثم لتوثيق بعض الوعود (المكررة).. ظل هذا المنفذ البحري حلماً منذ نوفمبر2011، حيث موعد الشروع في التنفيذ..ورغم أن فترة التنفيذ لا تتجاوز (24 شهراً)، إلا أن سُلحفائة الإجراءات – بالوزارات الاتحادية – حالت دون اكتمال التنفيذ في الموعد ( نوفمبر 2013)..!! وكثيرة هي المشاريع الإستراتيجية والاقتصادية التي تتجمد – أو تموت – تحت توقيع : يُنظر و يُفاد .. وعلى كل.. تفاجأت هناك باكتمال العمل في أهم مراحل ميناء الشيخ إبراهيم.. نعم بهدوء، تحقق الحلم.. وصار للبلاد ميناءً متخصصاً لصادر الثروة الحيوانية بمنطقة هي النواة لميلاد مدينة جديدة جنوب مدينة سواكن (30 كلم).. ويتواصل العمل في تنفيذ المرحلة الأخيرة للميناء بتشييد المكاتب الإدارية ومنازل العاملين، بحيث يكون الافتتاح مع فعاليات مهرجان البحر الأحمر ..!! هذا الميناء هو الأحدث على طول ساحل البحر الأحمر، بحيث كل شيء يعمل إلكترونياً وبأحدث نظم التشغيل ..(5 أرصفة)، بطول (241 متراً)، وعمق (12.5 متر)، وحمولة (30.000 طن)..بفضل الله ثم بشراكة مثالية وأنموذجية ما بين هيئة الموانئ البحرية وشركة جيك الصينية (51%، 49%)، أصبح الحلم واقعاً.. وهي ذات الشراكة التي تتخطى مرحلة إنشاء إحدث الموانئ إلى مرحلة تحويل المنطقة إلى مركز لصناعة وتصدير اللحوم والجلود وغيرها من الصناعات المتخصصة..!! ومع كل التقدير لدولة الصين، لنا أن نفتخر بعقول وسواعد سودانية شابة ترابط هناك، وتبذل الكثير من الجهد – في هجير الصيف وبرد الشتاء وأمطار الخريف – لنفرح بهذا الإنجاز في سبتمبر القادم بإذن الله ..ولنا أن نشكر الدكتور جلال الدين شليه، المدير العام لهيئة الموانئ البحرية، وكل الطاقم الإداري والهندسي والفني والعمال، وهم يجتهدون بإخلاص – بعيداً عن أضواء الخرطوم و صخب إعلامها – ليكون بالسودان أحدث الموانئ و مدينة أخرى على الساحل .. يستحقون الشكر، وهم يصنعون حياة جديدة – في تلك الفيافي – على ساحل البحر الأحمر..!! مساحة البلد – رغم انفصال الجنوب – ليست هي المساحة التي يمكن التحكم والسيطرة على حدودها و سواحل بحارها بيسر، حتى ولو جندت الحكومة كل الشعب في الجيش والشرطة والأمن و الدعم السريع.. ثم أن كثافتنا السكانية فقيرة للغاية، وليست هي الكثافة القادرة على خلق مجتمعات مستقرة على طول البلاد و طول الساحل.. ولكن، بمثل هذه المشاريع ينتعش الاقتصاد وتستقر المجتمعات .. والمجتمعات المستقرة هي أقوى وأفضل وسائل تأمين السواحل ..أوهكذا كانت الخواطر بمنطقة هيدوب التي كانت (منسية)، أي كما منطقة حلايب قبل (الغزو الأجنبي).. فالأرض المنسية – كما المال السايب – تعلم الآخرين ( السرقة )..!!!! الطاهر ساتي الانتباهة