احتلت مفوّضة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الافريقي، أميرة الفاضل موقعاً متقدماً في الهيئات والمؤسسات الحزبية، وتولّت منصب رئيس قطاع العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني. ولأن الإنسان ابن بيئته، كانت أميرة متصالحة مع نفسها أولاً، ثم مع الآخرين. لذا لم يشهد عليها أحد بالعلو والكبر والغرور، فخرجت من دائرة التنازع والأضداد بين رصيفاتها في المجتمع، لتختط مساقاً يتماشى مع مبادئها. بعد توليها منصب وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي بولاية الخرطوم، سرعان ما اعتلت سدة الوزارة الاتحادية التي غادرتها باستقالة سارت بها الركبان. أميرة التي تُحسن توظيف الموضة في اطلالاتها الأنيقة، كما تُحسن فن إدارة العلاقات الاجتماعية والسياسية المعقدة، تستند على إنسانية راسخة، ما دفع بها إلى العمل العام عبر (مركز مدى لدراسات المجتمع) الذي نجحت في قيادته واخترقت به العديد من الملفات عبر مبادراتها غير المسبوقة. أخيراً، ووأخيراًخيراً تولّت المرأة التي يصفها الكثيرون بأنها «صاحبة نظرة متأنية في القضايا المصيرية»، مفوضية الشؤون الاجتماعية في الاتحاد الأفريقي، وهو أهم منصب يتولاه السودان منذ نصف قرن. (الصحافة) حاورت أميرة الفاضل عبر الهاتف من مقر اقامتها بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، قبل توجهها إلى ليبيا مبعوثة من الاتحاد الافريقي لتتقصّى عن مأساة (بيع مهاجرين أفارقة) في البراري الليبية. ما الحيثيات التي دفعت الاتحاد الأفريقي لاختيارك مبعوثاً عنه إلى ليبيا للتقصّي حول مأساة (بيع مهاجرين أفارقة)؟! – بدأت فكرة تخصيص مبعوث إلى ليبيا حول مأساة (الرقيق)، بالمؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس المفوضية، موسى فكي، وأعلن فيه استنكار ورفض الاتحاد لما يحدث للمهاجرين الإفارقة في ليبيا، وقال إنّ المفوضية الافريقية لحقوق الانسان ستجري تحقيقاً حول موضوع (الرق). وما الذي حدث بعد المؤتمر؟! – بعد المؤتمر الذي حظي باهتمام وسائل الاعلام الأفريقية والعالمية، كلّفني المفوّض بزيارة ليبيا، والتشاور مع السلطات المختصة فيها وتفقد أحوال المحتجزين. هل من خطوة معدّة سلفاً من الاتحاد الأفريقي للتعامل مع القضية؟! – سيقوم الاتحاد بالعمل على ارجاع المهاجرين الذين يمكن الوصول إليهم الى بلدانهم بالتعاون مع الأممالمتحدة ومنظمة الهجرة الدولية والدول الأعضاء. هل من توصيف وظيفي محدد لمهمتك في ليبيا؟! مهتمي الأولى ستستهدف الوصول إلى مراكز الاعتقال غير القانونية التي يُحتجز فيها مهاجرون دون أية اتهامات. هل من تمهيد أو أية اتصالات تمت على الأراضي الليبية لتسهيل مهمتك؟! – بالطبع. أجرى الاتحاد الافريقي – عبر رئيس مفوضية الاتحاد – عدّة اتصالات بالسلطات الليبية المعنية لتسهيل التحقيقات الجارية، وسيتم التعامل مع الجناة عبر قنوات العدالة المتفق عليها. كما خاطب الاتحاد الأفريقي الدول الأعضاء ال (55) بتقديم الدعم اللوجستي والسماح بإجلاء المهاجرين المحتجزين في ليبيا الى دولهم الأصلية. ألم يصدر الاتحاد الافريقي بياناً للتنديد بالقضية، أو يتخذ أية خطوة من شأنها لفت نظر ليبيا؟! – استوضح رئيس المفوضية موسي فكي ممثل ليبيا في الاتحاد الإفريقي، ونقل له قلقه إزاء تلك الأعمال التي أنكرها المجتمع الدولي وهزت ضمير الانسانية، وطالبه بتوضيح موقف ليبيا الرسمية من الأعمال التي يتعرض لها المهاجرون على أراضيها. وطلبت مفوضية الاتحاد الأفريقي من اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان الشروع الفوري في إجراء تحقيق لدعم التدابير التي أعلنتها السلطات الليبية، مع تقديم توصياتها، لضمان المتابعة واتخاذ الإجراءات المناسبة للحيلولة دون تكرارها. متى تستهل أميرة مهمتها في ليبيا؟! – سأغادر غداً (الثلاثاء) إلى ليبيا لبدء التحقيق. وتأكد للمفوضية، على أن اعداد المهاجرين المحتجزين في ليبيا، بلغ (400) ألف مهاجر، من (30) دولة أفريقية. هل يمكنك تقديم صورة مصغّرة لشكل مأساة المهاجرين في البراري الليبية؟! – غالباً ما يلوذ معظم هؤلاء المهاجرين إلى ليبيا هرباً من ما يرونها أوضاعا غير مناسبة في بلدانهم، ويتخذون من ليبيا معبراً إلى مهاجر أوربية. وتبدأ رحلتهم عادة بطريق موحش عبر الصحارى الشاسعة الموصولة بليبيا، ومنها يركبون الأهوال عبر البحر الأبيض المتوسط، على قوارب متهالكة إلى أوروبا. فيما يكافح البقية من أجل البقاء في أحد مراكز الاحتجاز المكتظة التي لا تتوفر بها أدني حقوق الإنسانية، ويديرها مهربون محترفون. هل سيتخذ الاتحاد الإفريقي تدابير عقابية ضد ليبيا؟! – التدابير العقابية والمحاسبية، لا بدّ أن تسبقها تحقيقات وافية، لأن المعلومات التي حصل عليها الاتحاد عبر وسائل الاعلام يمكن أن تكون بيّنة تمهد للتحري، لكنها غير كافية. المؤكد للاتحاد الأفريقي، أنّ هناك إعدادا كبيرة من المهاجرين الأفارقة محتجزون في ليبيا، يحاولون الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا ويبلغ عدد حوالي (004) ألف محتجز. هل جاءت خطوة الاتحاد الافريقي، كردّ فعل على ما كشفته أجهزة الاعلام من مآسي المهاجرين في ليبيا؟! – لا، أبداً. مأساة بيع أبناء القارة الأفريقية من قبل بني جلدتهم، أمر دخيل ولا يوافق فطرة البشر. لذا، ثار العالم وتدفقت الصور المهينة على أجهزة الاعلام ووسائط التواصل، مثيرة للمشاعر الانسانية. قضية الهجرة غير الشرعية، من أولويات اهتمام الاتحاد الأفريقي وهي مدرجة في أجندة قمة الاتحادين الأفريقي والأوروبي التي ستنعقد نهاية الشهر الجاري بساحل العاج. وسيتم بحث قضية بيع المهاجرين خلال القمة، وفقا لإجراءات محدّدة. بالتفصيل، ما طبيعة مهمتك في لبيبا؟! – الغرض هو التقصي حول مأساة (بيع المهاجرين)، والشروع الفوري في اجلائهم إلى بلاهم من خلال العودة الطوعية بالتنسيق مع الدول الإفريقية التي ينتمي إليها هؤلاء المهاجرون، ومنظمة الهجرة العالمية، والالتقاء بالسلطات الليبية لمعرفة ملابسات الحادث والاجراءات التي اتخذتها للحيلولة دون تفاقمها أو تكرارها. هل ترين أن تجربة أميرة بوزارة الرعاية في السودان، أسهمت في تيسير مهمتك في الاتحاد الإفريقي؟! – بالتأكيد، تجربتي في السودان ساعدت كثيراً على سرعة استيعابي للقضايا الافريقية، وهي بدورها غير بعيدة عن القضايا السودانية في النواحي الاجتماعية. نشاطي في مكافحة الفقر والمخدرات ومجالات الصحة والرعاية المختلفة في السودان، أسهم بشكل كبير في سرعة استيعابي للقضايا التي يجب علي أن أتصدّى لها في المفوضية الموكّلة إليّ. يمكنني القول بلا مواربة، إنّ تجربة السودان واسعة في مجالات العمل الاجتماعي بشكل متقدّم عن بقية بلدان القارة. لأنّ السودان مرّ بظروف صعبة ومتقلبة، جعلته متمكناً في مساقات الرعاية الاجتماعية، وتراكمت لديه الخبرات، ما يجعل من كوادره قادرة على ادارة الأزمات في البيئات المشابهة. هل لنا أن نتعرّف على النسخة الدولية من أميرة الفاضل؟! قالت ضاحكة: «هي نفسها أميرة التي تعرفونها. فقط ترشحّت لمفوّضية الشؤون الاجتماعية في الاتحاد الإفريقي وفزت بالمنصب، فتمددت مسؤوليتي من كيب تاون إلى الإسكندرية. وأسأل الله أن يعينني على حُسن الأداء من أجل مجتمع أفريقي يتمتع بالرفاه. لم تكن مهمتي في السودان وزيرة للضمان الاجتماعي، بعيدة عما أنا بصدده الآن أفريقياً، فقد باشرت القضايا المتعلقة بأوضاع الأطفال، المرأة، السلام، أثر التدخل الأجنبي على المرأة في دارفور. وتلقيت العديد من الدورات التدريبية في مجالات تنمية القدرات الإدارية والتنظيمية للعاملين في مجال تنمية المرأة ومكافحة الفقر والتخطيط الاستراتيجي. وشاركت في تنفيذ مشروعات اقتصادية تختص بزيادة دخل الفرد ورفع المستوى الاقتصادي للمرأة. مهمتي العملية الأخيرة في السودان، كانت عبر (مركز دراسات المجتمع – مدى). وكان دوره كبيراً في رتق النسيج الاجتماعي بولاية شرق دارفور، وأجرى المركز العديد من البحوث المُحكمة حول قضايا التعايش السلمي في دارفور. ما المهام الموكّلة إلى مفوضية الشؤون الاجتماعية في الاتحاد الأفريقي؟! – تولّيت مهامي في مارس الماضي بعد انتخابي لمنصب المفوّض، مرشحة عن شرق أفريقيا. والمفوضية تعد من أكبر المفوضيات بالاتحاد الإفريقي وتضم لجان الصحة، وبدورها تضم مكافحة العديد من الأمراض. وهنالك مسؤولون عن قضايا العمل، المهاجرين، الاتجار بالبشر، الجريمة، المخدرات، الثقافة، الرياضة، محاربة الفقر، المعاقين والطفولة. وفيم تنشط المفوضية الآن؟! – تتابع المفوضيّة بهمة، (استراتيجية 2063)، وهي تمثل الاطار الاستراتيجي للتحوّل الاجتماعي والاقتصادي في القارة الإفريقية على مدى السنوات الخمسين المقبلة، وهي مبنية على المبادرات القارية الماضية والقائمة من أجل النمو والتنمية المستدامة، ويسعى إلى التعجيل بها. وتشمل الاستراتيجية، بعض المبادرات السابقة والحالية التي تقوم على: خطة عمل لاغوس، معاهدة أبوجا، برنامج الحد الأدنى للتكامل، برنامج تنمية الهياكل الأساسية في أفريقيا، برنامج التنمية الزراعية الشاملة في أفريقيا، الشراكة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) والخطط والبرامج الإقليمية والوطنية. والاستراتيجية برمتها مبنية على أفضل الممارسات الوطنية والإقليمية والقارية. وعقدت المفوضية، عدداً من اللجان. منها، لجنة الصحة التي شارك فيها عدد من وزراء الصحة والمسؤولين عن التغذية، واللجنة الوزارية الخاصة بالثقافة والرياضة، وتمت اجازة السياسات الخاصة بالإنتاج السينمائي. ومن اللجان التي تمت إجازتها، اللجنة الوزارية الخاصة باللاجئين والهجرة والنازحين، وشارك فيها وزراء الداخلية والخارجية، واجازة الموقف الموحد لأفريقيا بشأن بروتوكول حرية التنقل الذي ستتم إجازته في القمة الافريقية نهاية ديسمبر المقبل. ما الهدف من البروتوكول، هل يطابق آلية (الشنغن فيزا) الأوروبية؟! – بروتوكول حرية التنقل، تعمل به بعض الدول الإفريقية. هنالك جواز (موحّد) في دول غرب افريقيا، ويتحرك مواطنو هذه الدول بحرية دون (تأشيرة) عبر هذا الجواز. وستكون هنالك حرية تنقل في كل أنحاء القارة عقب اجازة هذا البروتوكول. هنالك دول افريقية مثل رواندا ونيجريا، سبق أن أعلنت التزامها بهذا البروتوكول، لكن دولاً أخرى أعلنت عدم استعدادها للعمل به في الوقت الحالي لترتيبات داخلية تخصها، لكن من المؤكد أنها ستلحق ببقية دول القارة قريباً، وبالتالي ستكون أفريقيا مفتوحة لمواطنيها للتنقل بحرية وسلاسة.