السرعة هي السمة الأبرز لهذا العصر الذي نعيش، وعلى ما يبدو فإن عدوى السرعة قد انتقلت لتصبح أحد عوارض السياسة والأحلاف العسكرية والسياسية، فباتت الدول تتقلب يمنة ويسرة في تحالفاتها ومواقفها، هذه الواقع الراهن لم يمنع الكثيرين من فغر أفواههم عجبا ودهشة لسيل التصريحات التي أطلقها رئيس الجمهورية المشير عمر البشير من لدن سوشي الروسية التي اجتمع فيها بالرئيس الروسي فلادمير بوتين، لتنهمر الرؤى التحليلية لها شرقا وغربا، فهناك من يقرظها ويفصل محاسنها, وهناك من ينتقدها ويحتار في أمرها. تصريحات الرئيس التي كانت مسرحا لتباين الآراء حولها ,تمثلت في هجومه الكبير على الولاياتالمتحدةالأمريكية متهما إياها بالتآمر على البلاد، وأنها من تسبب في فصل جنوب السودان يوليو 2011 ، كما أنها لم تقف عند ذلك الحد، فهي تسعى لتقسيم ما تبقى منه لخمس دول أخرى ، كما أكد الرئيس في الحوار الذي أجرته معه وكالة (اسبوتينك) الروسية, انه ناقش مع بوتين إمكانية إقامة قاعدة عسكرية في البحر الأحمر ، كما طالب بتزويد السودان بأسلحة دفاعية روسية ، وقال: من الوارد ان تطلب البلاد منظومة (إس 300) تلك التي كانت تركيا قد طلبتها مؤخرا وسببت لها إشكالات مع حلف (الناتو)، وأضاف الرئيس ان السودان راغب في تطوير التعاون العسكري مع روسيا، ولديه برنامج إعادة تحديث القوات المسلحة التي تستخدم سلاحاً روسياً، وتابع عند استخدام المعدات ستكون هناك حاجة لمدربين ومستشارين، وأن البحر الأحمر هو ممر مهم وحيوي جدا، وبمثابة مدخل وثغرة للسودان في الوقت نفسه، وزاد : إن اي تهديد أمني على سواحل البحر الأحمر يشكل خطورة على البلد ويخنق السودان، مشدداً على أن البلاد تحتاج إلى حماية كبيرة بقوله (كي لا يخنقونا، فيجب أن نعمل اي حاجة من أجل ذلك)، كما اتهم الرئيس أمريكا بأنها خربت العالم العربي وتسببت في الأزمات بسوريا والعراق واليمن. ومعلوم أن السودان ومنذ أكثر من عامين انخرط في مفاوضات مع أمريكا، قد أفضت لرفع العقوبات الاقتصادية في السادس من أكتوبر الماضي، ومن ثم انخرط معها في مفاوضات أخرى لرفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكن يبدو ان حصيلة الخرطوم جراء تعاملها مع أمريكا والخدمات الكبيرة التي قدمتها لها في مجال مكافحة الإرهاب (………….) إذ ان أمريكا عادت لاستخدام كرت الضغط مجددا عبر زيارة نائب رئيس وزير خارجيتها الأخيرة للبلاد والتي طالب فيها بتعديل بعض النصوص في القوانين السودانية، من قبيل تعديل النصوص المتعلقة بالردة والميراث والاسأءة للاديان، الشيء الذي قابلته الحكومة بالصمت في الخرطوم، والرد عليه من سوشي الروسية . عربياً مضى حديث الرئيس لصالح حلف روسياإيرانوتركيا، فقد قال انه لا يؤيد خيار التسوية في سوريا من دون الرئيس بشار الاسد، وكان له تصريح بالخرطوم انه لا يؤيد خيار الحرب على إيران، ومعلوم ان روسياوإيران تدعمان بقاء الاسد , ولاحقا انضمت لهما تركيا إذ صرح أرودغان الذي كان يدعو لمغادرة الاسد سابقا للصحفيين لدى عودته من روسيا التي اجتمع فيها ببوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني, صرح بأنه قد يفتح باباً للحوار مع الأسد ، بينما تدعو المملكة العربية السعودية لمغادرة الأسد , كما احتد الخلاف بينها وإيران للحد الذي وصف فيه ولي العهد محمد بن سلمان الخميني بانه هتلر جديد في حديثه لبعض الصحف الأمريكية . تصريحات الرئيس التي كان لها صدى واسعا على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي, كانت محلا لكتاب الأعمدة , ومنهم الكاتب الصحفي المقرب من القصر محمد لطيف بزاويته (تحليل سياسي) بالزميلة اليوم التالي بقوله على طريقة الصديق الجاهل ذهب بعض المحسوبين على النظام إلى نفي ما نسب للرئيس ظنا منهم أنهم يخدمونه ، وتساءل عن أسباب تصريحات الرئيس ليخلص إلى انه غاضب من أمريكا ، ونفى ان تكون لغضبته صلة بالسياسات الأمريكية المعادية للسودان، وإنما بالزيارة نفسها، فمصادر وثيقة الصلة أكدت ان واشنطون فعلت ما بوسعها للحيلولة دون وصول الرئيس إلى روسيا وقد وكانت هذه المعلومات بين يدي الرئيس فور وصوله لسوشي، فكان طبيعيا أن توغر صدره تجاه واشنطون، وأشار لطيف إلى ان روسيا كانت تبحث عن موطئ قدم لها في البحر الأحمر ولمح إلى أنها طالبت بذلك . من التحليلات التي نتجت عن تصريحات الرئيس, هي مفارقته لحلفه الخليجي بقيادة الرياض وأبو ظبي وأنه سيتجه لسحب قواته التي تحارب في اليمن تحت مظلة إعادة الشرعية، مما دفع وزير الدولة بالخارجية حامد ممتاز للتأكيد للزميلة (السوداني ) باستمرار مشاركة الجيش السوداني ضمن قوات التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وأن القوات السودانية ستظل ضمن قوات التحالف حتى تحقق أهدافها بالاستقرار وإعادة الشرعية في اليمن . شغلت تصريحات الرئيس الميديا شرقا وغربا، ولا محالة فإن صداها قد تردد في فضاءات المعنيين بها ، وأن لها ما بعدها في سجل تحالفات الخرطوم بين الشرق الأوسط الموالي لواشنطون, وحلف تركياإيران الموالي لروسيا .