ماذا تفعلون في حفلات الزفاف ؟ سؤالي جاد للمدعوين ..ذلك انه يكون محتم علينا قضاء وقت طويل صامتين محدقين تجاه سيناريو الاحداث في حلبة الرقص . كنا انا ومها صديقتي ..مدعوين لحفل زفاف ..قالت لي مها (من هسه قبل ما الرقصة الاسلو تبدأ خلينا نحدد نعمل شنو ؟) ..قلت لها (ليه ؟ نحن مالنا ومال الاسلو؟ دي رقصة بين العرسان وكمان الاغنية ذاتها اجنبية) ..زمت مها شفتيها وقالت (ما عشان كدا ..لازم نلقى حاجة ننشغل بيها ..بدل ما نقعد نبحلق في شئ ما فاهمين أولو من آخرو).. سرحت بخاطري خلف هذه الافكار ..منذ متى بدأ الاستلاب الثقافي لحفلات الزواج ؟؟ اعتقد منذ عهد بعيد ..منذ ان بدات العرائس بلبس فستان الزفاف الأبيض بديلا للثوب السوداني ..مرورا بالاوت دور ..والابتكارات في فطور العريس وشاي العريس ..وليس انتهاء بالدخول للصالة بأغنية اجنبية ..يتبعه ذلك الرقص الاسلو دا ..الذي لم يجد السودانيون اي طريقة للتعامل معه ..تجول ببصرك في انحاء الصالة ..ستجد البعض قد انشغل بأكل صحن العشاء لكن هذا لا ينجح دائما لان بعض الصالات تجبرك على متابعة العرض ..فلا يتم انزال العشاء الا بعد جلوس العرسان على الكوشة ..اها نسوي شنو ؟؟يمكنك تذوق السلطة البيضاء ..او تناول المخلل ..هذه الاصناف المتاحة ..في بعض الاحيان ..اما لو كنت من ذوي الحظ التعيس مثلي انا وصديقتي ..سيكون من نصيبك الماء القراح الى حين اشعار أخر. انتهى عرض الاسلو ..تنفسنا الصعداء ..لكن العرسان لم يتوجهوا الى الكوشة مباشرة ..نسينا التورتة ..وتلك قصة اخرى ..ماذا تعني؟؟ هل هناك اي مرجعية للموضوع دا؟؟ يتم تقطيع التورتة ..يناولها قطعة وتناوله قطعة ونحن لا زلنا في المتابعة ..ولا تزال الاغنية الاجنبية مستمرة ..مالت مها ناحيتي (هسه الخواجة البغني دا لا اكل من التورتة .. .ولا في زول نقط ليهو عشرة جنيه ساكت كدا )..اخيرا وصل العرسان الى الكوشة ..والمفارقة ..ان اول اغنية صدح بها الفنان ..كانت (يا عديلة يا بيضاء ..يا ملايكة سيري معاه) فضحكنا من الاغنية التي اتت متاخرة ..فقد كان يجب ان يزف بها العريس الى داخل الصالة ..صالة؟؟ دي ذاتها كمان جديدة ..حليل يا بت امي الصيوان القدام بيت ناس العروس. العرس السوداني الاصيل ..بكل تفاصيل الفلكلور الخاصة به …مالو؟ عيبوهو لي ؟ لماذا استسلمنا لهذه الثقافات الغريبة حتى صحونا ذات يوم لنجد كل ملامح الاصالة قد اختفت ..وصار الزواج مسخا مشوها لا يمت الى الشرق ولا الى الغرب ..؟؟ كل الشعوب تحافظ على ثقافاتها في الزواج ..الا نحن.. نفتخر بكل غريب وكل مستحدث حتى اصبحنا بلا هوية . لو التفتنا حولنا لأذهلتنا انواع الثقافات الاصيلة في الزواج السوداني ..دعني احكي لك ( علي سبيل المثال لا الحصر) عن الزواج النوبي ..حيث يزف العرسان بالطار والاغنيات النوبية محاطين بجريد النخل ..يشتت الاهل المقربين حبات القمح تفاؤلا بحياة سعيدة ..ويصدح الفنان باغنيات الصلاة على النبي ..اما الجرتق يقال انها كلمة نوبية (جر تعني ظهر) (تيق تعني اجلس ) ..والمقصود جلسة الجرتق قديما حيث كان العرسان يجلسان وظهريهما لبعض ..قبل ان يسقى بعضهما البعض كوب الحليب الصافي. بعدها تصدح النساء باغنيات التراث التي يتم توارثها جيلا بعد جيل ..تماما كما تورث الاموال والعقارات. بينما نحن في طريقنا للخروج ..سمعت احدى الفتيات وهي تقول لامرأة كبيرة في السن ..(يا حبوبة كان نقعد شوية ..قالوا جايبين دي جى)..هزت المراة رأسها بشدة وقالت (بري ..ما بقدر اكل اكتر من كدي).