الاتفاق مع دولة قطر على إنشاء ميناء سواكن الجديد بتكلفة 4 مليارات دولار عبر نظام (البوت) لم يكن الأول إذ سبقه مؤخرًا اتفاق مع شركة سوما التركية لإنشاء مطار الخرطوم الجديد بتكلفة 1.5 مليار دولار، كما اتفقت ولاية الخرطوم مع شركة زادنا لتنفيذ البنيات التحتية بمنطقة الجيلي الصناعية ومدينة الصناعات الغذائية بالسبلوقة (غرب أم درمان) بتكلفة 220 مليون دولار مكون أجنبي و6 مليار جنيه مكون محلي. نظام البناء والتشغيل والتحويل أو البناء والتشغيل ونقل الملكية هو تولي مستثمر من القطاع الخاص تشييد وبناء مشروعات البنية الأساسية من موارده الخاصة على أن يتولى تشغيله وإدارته بعد الانتهاء منه لمدة امتياز معينة تتراوح عادة ما بين 30 أو 40 سنة وخلالها يتولى التشغيل بحيث يحصل من خلاله على التكاليف التي تحملها بالإضافة إلى تحقيق أرباح من العوائد والرسوم التي يدفعها مستخدمو المشروع وبعد انتهاء مدة الامتياز يتنقل المشروع للدولة ومن ثم فإن نظام البوت يعني وجود آلية تمويلية إنشاء البنى الأساسية بعيداً عن موارد الدولة. وطالب خبراء اقتصاد بضرورة البحث عن مزيد من فرص تمويل عبر البوت ولتشجيع هذه الشركات لأنها تتحمل مخاطر كبيرة في ظل اقتصاد غير مستقر. ويشير خبراء اقتصاد لسلبيات تنشأ من التعاقد عبر هذا النظام منها ضعف الإئتمان لدى الشركة المتعاقدة مبينين أنه قد تكون الشركة التي تتعاقد مع الدولة وفق نظام عقد تعاني ضعفًا في ذمتها الإئتمانية، فتلجأ للسوق المحلي للاقتراض للحصول على التمويل للمشروع، بدلاً من تحويل الأموال من الخارج لاستثمارها محلياً، مما يؤدي لزيادة الطلب على العملات الأجنبية وانخفاض قيمة العملة الوطنية والتي تشكل الآن مشكلة للاقتصاد السوداني تحاول الحكومة جاهدة معالجتها. ويؤكد د.عادل عبد العزيز الفائدة التي يجنيها السودان من هذه المشروعات لقوله إن جميعها مشروعات ضخمة وأساسية سوف تحرك جمود الاقتصاد السوداني، مضيفاً انه سيترتب على انفاذها تشغيل قطاع واسع من الشركات والمقاولات الصغيرة في مجالات البناء والتشييد وصناعة مواد البناء والكهرباء والمعلوماتية وغيرها وتشغيل آلاف من الأيدي العاملة السودانية وبضع مئات من الأجانب ذوي الخبرات التي لا تتوفر في السودان. ويشير الفكي إلى أن تنفيذ هذه المشروعات لا يكلف موازنة الحكومة لأنها لا تتحمل تكاليف بل بالعكس تستفيد من المشروع بتحريك الاقتصاد وتشغيل المواطنين، ويؤكد وجود عوامل تمنع تطبيق هذا النوع من التعاقد في مشاريع في السودان مثل الصرف الصحي والطرق والكباري ومحطات الكهرباء وغيرها حيث إن هذا النوع من التعاقد مرهون بالاستقرار الاقتصادي، وبالتالي نسبة تضخم منخفضة، وقيمة عملة شبه ثابتة، ومقدرة البنك المركزي على تحويل رأس المال والأرباح للخارج حتى يكون ضماناً لأن يعمل نظام البوت بكفاءة لافتًا إلى أنه في الحالة العكسية، مثل حالة اقتصادنا، فإن النظام لا يعمل إلا بدعم سياسي قوي من دولة أخرى، أو بتشريعات خاصة، مثل قانون الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص وسياسات استثنائية مثل السماح للشركة المنفذة بتصدير مواد ومنتجات دون أن نطالبها بعائدات صادر، مع تحريك قيمة الرسم المستحق مقابل الخدمة لأعلى كلما انخفضت قيمة العملة أمام الدولار. فيما ينبه بعض الخبراء لسلبيات مثل عدم قدرة الشركة المتعاقدة على تنفيذ التزاماتها مما يؤدي إلى فشل المشروع، مع ما يتبعه من مشاكل على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والعمالة وغيرها. ويشير البعض إلى أن غالبية الشركات المتعاقدة في عقد البوت ان تكون شركات أجنبية أو عالمية، مما يؤدي إلى تحويل الأرباح الناتجة عن المشاريع المنفذة إلى الخارج من دون قيود تفرض على المستثمر استثمار جزء من هذه الأرباح داخل الدولة المتعاقدة، ما يؤدي إلى اختلال ميزان المدفوعات والتأثير على حجم السيولة في السوق المحلية. وهذا ما اعتبره الناير يفرض على الدولة المعالجة بوضع ضوابط قانونية ومالية للحد من مساوئ تحويل أرباح الشركات للخارج. فيما اعتبر دكتور محمد الناير أن هذا يستدعي من الدولة الحرص والتحقق من قدرة الشركة المتعاقدة على التزام تعهداتها والتأكد من قدراتها المالية والإئتمانية ومن سمعتها وخبرتها في مجال المشروع موضوع العقد كما أن لجوء الشركة المتعاقدة للتمويل من المصارف والمؤسسات المالية المحلية يساعد على استفادة المصارف والمؤسسات من فوائد القروض وإيجابياتها بدل أن تذهب هذه الفوائد الى المصارف والمؤسسات المالية الخارجية، شرط تأمين الضمانات المالية الكافية للتأكد من قدرة الشركة المتعاقدة على القيام بالتزاماتها الفنية والتقنية والمالية وقد تشترط بعض الدول على الشركات المتعاقدة معها في نظام عقد ال B.O.T أن يتم تمويل جزء كبير من المشروع من التمويل الذاتي للشركة وتوفير الضمانات المصرفية الكافية لتغطية القروض وفوائدها. ونبه الخبراء لإشكالية صاحبت هذا النموذج في عام 1999 ل(البوت) بالبلاد تم تطبيقها في إنشاء طريق (500) كيلو ونفذ (410) كيلو، وبعد ذلك حدث اضطراب وإشكالية بين الممولين والمنفذين، وانتهى المشروع ودفعت الحكومة نقدًا حوالي (66) ملياراً، إن القضية تمت إثارتها في البرلمان حين ذاك، الأمر الذي بموجبه كان رفض مقترح صندوق الإسكان القومي لتمويل مشروعات الإسكان عبر نظام البوت.