-1- من يُتابع ويُراقب ويُحلل ويُقارن طبيعة المُظاهرات المُناهضة للحكومة، منذ البيان الأول في 30 يونيو، بالاحتجاجات الأخيرة؛ يجد عدة ملاحظات: – لأول مرَّة، التَّظاهرات في الولايات كانت أكثر شراسةً من الاحتجاجات في العاصمة، بكُلِّ محليَّاتها. – لأول مرَّة تعترف قياداتٌ في الصفِّ الأوَّل بوجود مُبرِّرات للتَّظاهر، وإن سجَّلت إدانتها لأعمال العنف. -لأول مرَّةٍ يتمُّ حرقُ دور المؤتمر الوطني. – اختلفت الروايات الحكومية بين وصف التظاهرات بالعفويَّة، والتَّخطيط المُسبق من قِبَلِ الأعداء. – كان ملاحظاً، على غير العادة، أن جهاتٍ حكوميةً مُتعدِّدةً سعَت بصورة مُنفردة لتبرئة ساحتها من بعض ما نُسِبَ إليها، وتحميل المسؤولية لآخرين بطرفٍ خفيٍّ أو بصورةٍ مُباشِرة. – النشاط الإسفيري المُضادُّ للحكومة كان الأوسع من كُلِّ المرَّات السَّابقة، وردُّ فعل مُناصري الحكومة الدِّفاعي كان الأضعف والأخفض صوتاً. – تمَّ تركيزٌ كبيرٌ على استقطاب أو تحييد بعض القُوَّات النظامية بالهُتافات أو الشَّائعات أو الوقيعة بينها. -2- ما ذكره دكتور عبد الرحمن الخضر، رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، بولاية القضارف أمس الأول، يُوجِّه النِّقاش في الاتجاه الصحيح، ويلفت النظر لأخطاء الذات، أكثر من مُؤامرات الآخرين من خلف الأسوار: الموساد وحركة عبد الواحد! الخضر – طبقاً لصحيفة المجهر – قال بالحرف والكلمة واللون الأحمر: (يجب ألا ندفن رؤوسنا في الرمال، وأسباب الاحتجاجات من صنع أيدينا). لم يكتفِ الخضر بذلك، بل أضاف: (استهداف المُتظاهرين لدور الحزب في عددٍ من الولايات رسالةٌ للحزب ينبغي الوقوف عندها)! كان على الخضر أن يمضي أكثر في توضيح الفكرة، وعقد المُفارقة بإكمال دائرة التساؤل: عضوية الحزب التي كانت تُدافع عن الخرطوم في خُطوط النار بكبويتا وتوريت، لماذا تقاعست عن حماية دُورها في مدن الشمال؟!! قبل ذلك، كانت إفادات مدير جهاز الأمن الفريق صلاح قوش، في مؤتمره الصحفي، تمضي على ذات المسار: وجود قصور في الأداء الاقتصادي هيَّأ الظَّرف لاندلاع التظاهرات. بإضافة ما قاله الخضر إلى إفادات قوش، تُصبح النتيجة المنطقية: إذا استمرَّت الأزمات الاقتصادية الخانقة، فإن احتمال تجدُّد الاحتجاجات، وربما بوتيرة قد تكون مُتصاعدة، أمرٌ واردٌ وربَّما حتمي (سبب ومسبب، فعل ورد فعل)! -3- إذا استمرَّت أزمة الخبز، وصَعُبَ الحصول على الوقود، وتصاعدت أسعار السلع، وظلَّت السيولة النقدية غير متوفرة، فعلى الحكومة أن تستعدَّ لاستقبال ما هو أسوأ. السؤال الذي من المُهمِّ أن تجد الحكومة إجابة عنه: لماذا تبدو أجهزتُها عاجزةً عن إيجاد حلولٍ ناجعةٍ تُنهي حالة الاحتقان المعيشي، ولا تُوفِّر مُبرِّرات للاحتجاج عليها؟!! من الواضح بالتجربة والمُشاهَدة، أن الأزمات عميقة والحلول سطحية؛ لذا سُرعان ما تعود الأوجاع. الأزمات المالية تمرُّ بها كثيرٌ من الدُّول، وتتجاوزها بحسن التدبير وبراعة التعامل ووحدة الصفِّ ووضوح الرؤية، وتسقط في امتحانها دول العجز والتراخي والدَّسائس. -4- ستمضي الحكومة في الاتجاه الخطأ، إذا اختارت طُرقها القديمة في العلاج.. تغيير الأسماء والوجوه مع البقاء على المنهج المُعوَج. لن تُحَلَّ أزمة الاقتصاد الكُبرى بالمجهودات والاجتهادات الفردية، كل طرفٍ يُريد أن يمضي بالمركب في اتجاه مغاير، بحثاً عن انتصار خاص. -أخيرا- إذا لم تَتَكَامَل وتتناغَم كلُّ أجهزةِ الدولة وفق رؤيةٍ كليةٍ وبرامج تفصيليةٍ مُتَّفقٍ عليها، يَتَقَدَّم فيها عمل المؤسسات على اجتهادِ الأفراد، فلن يَنصَلِحَ الحال ويستقيمَ العود ويَطيب الظلّ. ضياء الدين بلال