*وهي آخر زيارة لي إلى مصر، بُعيد فقدها لكلٍّ من هيكل.. وأنيس منصور.. *فعزيت سائق تاكسي المطار في هيكل، أولاً.. * فإذا به يخفض صوت المذياع ليسأل ببراءة (مين يا فندم؟).. فلم أعزه في الثاني.. * بل طلبت منه رفع الصوت مرة أخرى.. *وكانت تجلجل أغنية لم أفهم منها سوى كلمة (مهلبية) .. * زوج صاحبة العمارة-حيث أقمت- تحدثت معه عن فاجعة موت أنيس منصور .. * فأجابني قائلاً بنبرة ثقة (بس أنيس ما متش يا باشا).. *فكدت أقول له: هذا السبب وحده كافٍ جداً لأن تسميك زوجتك لي (بسلامته).. *وليس لأنك-كما تزعم- (بتبصبص ع البنات).. يا باشا.. *رغم إن المسكين قد يكون له بعض العذر في ذلك.. من وجهة نظر رجالية.. *أما من وجهة نظر نسائية فلا عذر.. وإن كانت أنثى مجازاً.. *وفي أيام دراستنا الجامعية كان أستاذنا عاطف يتخوف من انهيار ثقافي بمصر .. * وسبب تخوفه هذا ذيوع شهرة عدوية، في أعقاب حليم .. * لم يكن يستوعب كل هذا الهبوط للذائقة الغنائية.. *هبوطها من علو (سواح).. إلى حضيض (سلامتها أم حسن).. * وما كان يدري أن عدوية قياساً لآخرين من بعده يُعد في مصاف (سيد درويش).. *ومنهم صاحب (المهلبية) هذا.. * أما أغرب ما سمعته بالقاهرة-طوال فترة إقامتي فيها- أغنية كلها (عنب).. * فمقدمتها عنب.. ووسطها عنب.. وخاتمتها عنب .. * وكلمة العنب تتردد فيها بقدر أعداد السيارات التي تزحف كما النمل على الشوارع .. * والقاهرة كانت مصنفة كخامس أكثر عواصم العالم ضجيجاً.. *ولكني لا أعلم ترتيبها الآن.. فتلوثها السمعي بلغ حداً لا ينقصه الصياح ب(العنب).. *وسائق أجرة طلبت منه توصيلي إلى مكتبة (مدبولي) .. * فنظر إليّ ببلاهة، فبادلته بلاهةً بمثلها.. ثم طلبت من ثانٍ...فثالث... فرابع.. * وكلهم-في غرابة شديدة- لم يعلموا موقعها.. * أما أنا فقد علمت ما آل إليه (موقع) مصر الثقافي مصداقاً لنبوءة عاطف تلك .. *أما الخامس فكانت إجابته (ماشي يا باشا).. * فلما ركبت-و(مشت) السيارة قليلاً- أدركت أنه يريد أن (يمشِّي) أمره فقط .. *فقد دمدم قائلاً (بص يا فندم، أنا ح أوصلك حتة المكتبات).. *ثم نفث مع دخان سيجارته عبارة دخانية (وتبقى حضرتك تدوٍّر ع راحتك هناك).. *وما أن مشينا خطوتين حتى أدار مفتاح الراديو.. *فمشى معنا (العنب) !!. صلاح الدين عووضة – با لمنطق صحيفة الإنتباهة