الضمني والصريح في البيان الفصيح ( تؤكد وزارة العدل مجدداً أن السودان لم يكن ضالعاً في الهجوم على المدمرة كول أو في أي أعمال إرهابية أخرى، وقد تم النص صراحة على هذا التأكيد في اتفاقية التسوية، كما أسلفنا من قبل) … (إن إغلاق القضايا المتعلقة بالإرهاب، وهي جزء من التركة الثقيلة الموروثة من النظام المباد وتطبيع العلاقات بين السودان والولايات المتحدة ودول العالم لهو شرط لازم لإنهاء العزلة الدولية …) من الواضح أن حكومة قحت تحاول أكل الكيكة والاحتفاظ بها في ذات الوقت، فهي تريد أن تنفي تهمة الإرهاب دون أن تبرئ الإنقاذ، وتريد أن تتراجع عن شهادات القحاتة السابقة التي تؤكد تورط السودان في الإرهاب دون أن تعترف بأنها كانت تكذب . ولذلك أتت هذه المعالجة الغريبة وأتى بيان وزارة العدل شديد الفصاحة في التعبير عن التخبط وقول الشئ ونقيضه صراحةً أو ضمناً: ⁃ القحاتة الآن يعكسون خطابهم: من تحريض الخارج وتقديم الشهادات وطلب العقوبات، في مقابل تخدير الداخل عبر الزعم بأن العقوبات لا تضر بالشعب ومعيشته، إلى مجادلة الخارج الآن بأن السودان لم يكن ضالعاً في الإرهاب، ومخاطبة الداخل بأن النظام كان يفعل ذلك وأن العقوبات أضرت بالشعب ضرراً بليغاً . وفي ذلك اعتراف ضمني باللامبدأية والكذب واللامسؤولية والإنتهازية. – من الواضح أن الحكومة تحاول – رغم عدم التصريح بذلك – تقليل الأضرار التي تسبب فيها خطاب حمدوك أمام الأممالمتحدة والذي صرح فيه باسم حكومة السودان بأن السودان كان متورطاً فعلاً في الإرهاب. ⁃ الحديث عن أن قضايا الإرهاب من ( التركة الثقيلة الموروثة من النظام المباد ) يحوي داخله إعترافاً ضمنياً بأن القحاتة يتحملون جزءاً كبيراً من هذه "التركة"، فقد كانوا يطالبون علناً بتشديد العقوبات، ويقدمون التقارير والشهادات العلنية، وكان فرض العقوبات وبالتالي تعظيم هذه "التركة" إحدى نجاحاتهم التي كانوا يفاخرون بها. فالتركة – في جزء كبير منها، بجانب الصلف الأمريكي – هي تركة القحاتة أنفسهم ( يداك أوكتا وفوك نفخ)، ولو تمكنوا من رفع العقوبات فإنهم بذلك يرفعون عبئاً ساهموا بالجزء الأكبر فيه، ولا يستحقون الشكر على ذلك، فالضرر قد وقع وآثاره لن تزول بسهولة. ⁃ توقيع الجانب الأمريكي على النص الصريح ( السودان لم يكن ضالعاً في الهجوم على المدمرة كول أو في أي أعمال إرهابية أخرى) فيه اعتراف صريح من جانب أمريكا بالبلطجة والابتزاز، وبأنها لا تستلم هذه الأموال تعويضاً عن جريمة بل مكافأةً على كذبة . ⁃ القول بأن هذه التسوية "فقط" من أجل تطبيع العلاقة مع أمريكا والمصلحة الاستراتيجية للدولة السودانية .. فيه اعتراف ضمني بالرضوخ للبلطجة الأمريكية، وكان ذلك متوقعاً لأن فرية دعم الإرهاب كانت عملاً مشتركاً بين الأمريكان والقحاتة. ولم يكن متوقعاً من الأمريكان، لا سيما في عهد ترمب، غير أن يلزموهم بدفع أضعاف ما استلموه من ثمن التقارير الكاذبة.وفيه اعتراف صريح بأن العلاقة من الآن ستُبنى على الطاعة التامة والرضوخ للابتزاز والاستسلام للبلطجة. فأمريكا الرسمية لم تكن حريصة على مسألة التعويضات في حوارها مع النظام السابق حرصها عليها الآن، رغم أن العكس كان هو الأولى لو كانت واثقة من تورط النظام السابق. ⁃ إذا جمعنا بين القول بأن السودان (لم يكن ضالعاً في الهجوم على المدمرة كول أو في أي أعمال إرهابية أخرى) وبين الحديث عن ( التركة الثقيلة الموروثة من النظام المباد) فإن من يصدق إيمان القحاتة بالإثنين سينصرف ذهنه إلى أنهم ربما يقصدون أن النظام "البرئ من الإرهاب" لم يحسن الدفاع عن نفسه ولذلك ترك هذه التركة رغم براءته، وهذا سيجعل مسؤولية القحاتة عن "التركة" أكبر لأنهم بشهادة الجميع كانوا الأكثر تخريباً لدفاع النظام السابق عن نفسه فيما يلي تهمة دعم الإرهاب. ⁃ الفعل الصريح للحكومة المتمثل في دفع التعويضات نيابةً عن القاعدة فيه اعتراف ضمني بمسؤولية السودان عن أعمال تنظيم القاعدة الإرهابية، الأمر الذي يفتح الأبواب أمام قضايا أخرى وليس العكس كما تزعم الحكومة، فليس لقضية المدمرة كول خصوصية تجعل الوضع القانوني للسودان فيها ضعيفاً بحيث يضطر لتفادي الإدانة القانونية عبر التسليم الضمني بالمسؤولية ودفع التعويضات. ومن يمارس البلطجة هذه المرة لا يوجد أي شئ يمنعه من ممارستها مستقبلاً في قضايا أخرى .