عدت الى الاستقرار في السودان ، قبل عام ، بعد غربة دامت سنوات عدة ، وأذكر جيدا بأني في يومي الثاني ، سجلت احتجاجا مشهودا لدى "سيد اللبن" وقلت له بنبرة حادة : كيف تبيع الرطل ب 15 جنيها، وزدت: "أصلا لبنك جاي من أستراليا ؟!.. وتواصلت احتجاجاتي مع الجزارين الذين كانوا يبيعون كيلو الضان ب380 الى 400 جنيه، وصاحب الخضراوات الذي يبيع كيس السلطة ب50 جنيها ، والتاجر الذي يبيع "شوال السكر أبو 50 كيلو "ب 1600 جنيه، وربع البصل ب50 وكذلك الدقيق الكيلو ب50 إلخ. أيضا تواصلت الاحتجاجات مع ملاك المدارس الخاصة حينما كان القبول للأساس ب 20 الف جنيه، والترحيل ب9 آلاف ..فيما تراوحت رسوم الروضة بين 8 الى 18 الفا وفقا لما تقدمه للصغار. نعم مر عام وأصبح رطل اللبن ب60 جنيها، وكيلو الضأن ب900 جنيه، والسكر بنحو 4 آلاف جنيه ، والقصة تضاعفت مرات عديدة على السكر والدقيق والزيت "وكلو حاجة" .والطريف أنني لم أعد أحتج على أي شي..فاشتري حينما تكون معي "فلوس" ودون ذلك أنصرف صامتا!. أما المدارس .. فتلك قصة أخرى ! ذهبت الى المدرسة الخاصة التي درس فيها ابني العام الماضي برسوم بلغت 20 ألف جنيه، فاخبرني المحاسب بأن الرسوم أضحت 45 ألفا ، فيما قفزت رسوم الترحيل من 9 آلاف إلى 32 الف جنيه كاملة ..وأصبحت أسعار رياض الأطفال، دون حساب الترحيل، تتأرجح ما بين 40 الى 60 الف جنيه !. نقول بهذا الحديث وفي الاذهان أن الثورة حينما تفجرت ضد نظام عمر البشير لم تك في خصومة شخصية معه ، ولم تخرج لان السودان محكوم من قبل الكيزان..وإنما خرجت حينما عزّ رغيف الخبز ، وأصبح الوضع الاقتصادي بالغ الصعوبة لجهة المعيشة والعلاج والصحة والتعليم. لقد كان شعار الثورة "تسقط بس" وهو يكشف سوء واقع الحال ..ولكن الذي حدث أن حكومة الثورة أوصلت البلاد والعباد مرحلة بالغة السوء حينما تفرغت لمفاوضات ماراثونية مع الحركات المسلحة ولم تول الزراعة أي اهتمام.. فيما الذهب يهرب "على عينك يا تاجر" بشهادة الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي الذي قال حرفيا" إن قوات الدعم السريع سبق أن تدخلت وأوقفت طائرة تحمل 340 كيلوجرام من الذهب معدة للتصدير ، لكن تم الإفراج عنها باعتباره امرا متفقا عليه! وفي حديث دقلو ما يكشف حجم الفساد الذي يمارس في عهد حكومة الثورة . عموما الأوضاع الاقتصادية بلغت مرحلة متقدمة من السوء، فيما قيمة الجنيه السوداني تتراجع على رأس الساعة ، في وقت يهدينا العالم الخارجي الأمنيات الطيبة.. ولا يزال القوم يتحدثون عن التشكيل الوزاري القادم .. ياسادة مشكلة السودان ليست الوزارة وانما الإرادة . لعلي تحدثت عن واقع الحال في العاصمة الخرطوم ..اما الأقاليم فتلك قصة مختلفة حيث تعبأ أنبوبة الغاز ب1500 جنيه، وتباع رغيفة الخبز بثلاثة جنيهات ، وفي وحل الخريف لا يجد الناس ترياقا يصدون به سموم وآلام لدغات العقارب والثعابين . بقلم